" إلى ربكم " من وضع الظاهر موضع المضمر وكان مقتضى الظاهر أن يقال: وأنيبوا إليه والوجه فيه الإشارة إلى التعليل فإن الملاك في عبادة الله سبحانه صفة ربوبية.
والمراد بالاسلام التسليم لله والانقياد له فيما يريد، وإنما قال: " وأسلموا له " ولم يقل: وآمنوا به لان المذكور قبل الآية وبعدها استكبارهم على الحق والمقابل له الاسلام.
وقوله: " من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون " متعلق بقوله: " أنيبوا وأسلموا " والمراد بالعذاب عذاب الآخرة بقرينة الآيات التالية، ويمكن على بعد أن يراد مطلق العذاب الذي لا تقبل معه التوبة ومنه عذاب الاستئصال قال تعالى: " فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده " المؤمن: 85.
والمراد بقوله: " ثم لا تنصرون " أن المغفرة لا تدرككم بوجه لعدم تحقق سببها فالتوبة مفروضة العدم والشفاعة لا تشمل الشرك.
قوله تعالى: " واتبعوا أحسن ما انزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون " الخطاب عام للمؤمن والكافر كالخطابات السابقة والقرآن قد انزل إلى الفريقين جميعا.
وفي الآية أمر بإتباع أحسن ما انزل من الله قيل: المراد به اتباع الاحكام من الحلال والحرام دون القصص، وقيل: اتباع ما أمر به ونهي عنه كاتيان الواجب والمستحب واجتناب الحرام والمكروه دون المباح، وقيل: الاتباع في العزائم وهي الواجبات والمحرمات، وقيل: اتباع الناسخ دون المنسوخ، وقيل: ما أنزل هو جنس الكتب السماوية وأحسنها القرآن فاتباع أحسن ما انزل وهو اتباع القرآن.
والانصاف أن قوله في الآية السابقة: " وأسلموا له " يشمل مضمون كل من هذه الأقوال فحمل قوله: " واتبعوا أحسن ما انزل إليكم " على شئ منها لا يخلو عن تكرار من غير موجب.
ولعل المراد من أحسن ما أنزل الخطابات التي تشير إلى طريق استعمال حق العبودية في امتثال الخطابات الإلهية الاعتقادية والعملية وذلك كالخطابات الداعية إلى ذكر الله تعالى بالاستغراق وإلى حبه وإلى تقواه حق تقاته وإلى إخلاص الدين له فإن