تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ٤٠١
أتقن كل شئ إنه خبير بما تفعلون " الآية بما أنها واقعة في سياق آيات القيامة محفوفة بها تصف بعض ما يقع يومئذ من الآيات وهو سير الجبال وقد قال تعالى في هذا المعنى أيضا: (وسيرت الجبال فكانت سرابا) النبأ: 20، إلى غير ذلك.
فقوله: (وترى الجبال) الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والمراد به تمثيل الواقعة، كما في قوله: (وترى الناس سكارى) الحج: 2، أي هذا حالها المشهودة في هذا اليوم تشاهدها كنت مشاهدا، وقوله: (تحسبها جامدة) أي تظنها الآن ولم تقم القيامة بعد جامدة غير متحركة، والجملة معترضة أو حالية.
وقوله: (وهي تمر مر السحاب) حال من الجبال وعاملها (ترى) أي تراها إذا نفخ في الصور حال كونها تسير سير السحاب في السماء.
وقوله: (صنع الله الذي أتقن كل شئ) مفعول مطلق لمقدر أي صنعه صنعا وفي الجملة تلويح إلى أن هذا الصنع والفعل منه تعالى تخريب للدنيا وهدم للعالم، لكنه في الحقيقة تكميل لها وإتقان لنظامها لما يترتب عليه من إنهاء كل شئ إلى غايته وإيصاله إلى وجهته التي هو موليها من سعادة أو شقاوة لان ذلك صنع الله الذي أتقن كل شئ فهو سبحانه لا يسلب الاتقان عما أتقنه ولا يسلط الفساد على ما أصلحه ففي تخريب الدنيا تعمير الآخرة.
وقوله: (إنه خبير بما تفعلون) قيل: إنه تعليل لكون ما ذكر من النفخ في الصور وما بعده صنعا محكما له تعالى فإن علمه بظواهر أفعال المكلفين وبواطنها مما يستدعي إظهارها وبيان كيفياتها على ما هي عليه من الحسن والسوء وترتيب آثارها من الثواب والعقاب عليها بعد البعث والحشر وتسيير الجبال.
وأنت ترى ما فيه من التكلف وأن السياق بعد ذلك كله لا يقبله.
وقيل: إن قوله: (إنه خبير بما تفعلون) استئناف في حكم الجواب عن سؤال مقدر كأنه قيل: فماذا يكون بعد هذه القوارع؟ فقيل: إن الله خبير بعمل العاملين فيجازيهم على أعمالهم وفصل بقوله: (من جاء بالحسنة فله خير منها) إلى آخر الآيتين.
وههنا وجه آخر مستفاد من الامعان في سياق الآيات السابقة فإن الله سبحانه أمر فيها نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يتوكل عليه ويرجع أمر المشركين وبني إسرائيل إليه فإنه إنما
(٤٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 396 397 398 399 400 401 402 403 404 405 406 ... » »»
الفهرست