قيل: المراد بهذا النفخ النفخة الثانية للصور التي بها تنفخ الحياة في الأجساد فيبعثون لفصل القضاء، ويؤيده قوله في ذيل الآية: (وكل أتوه داخرين) والمراد به حضورهم عند الله سبحانه، ويؤيده أيضا استثناؤه (من شاء الله) من حكم الفزع ثم قوله فيمن جاء بالحسنة: (وهم من فزع يومئذ آمنون) حيث يدل على أن الفزع المذكور هو الفزع في النفخة الثانية.
وقيل: المراد به النفخة الأولى التي يموت بها الاحياء بدليل قوله: (ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون) الزمر: 68، فإن الصعقة من الفزع وقد رتب على النفخة الأولى وعلى هذا يكون المراد بقوله: (وكل أتوه داخرين) رجوعهم إلى الله سبحانه بالموت.
ولا يبعد أن يكون المراد بالنفخ في الصور يومئذ مطلق النفخ أعم مما يميت أو يحيي فإن النفخ كيفما كان من مختصات الساعة، ويكون ما ذكر من فزع بعضهم وأمن بعضهم من الفزع وسير الجبال من خواص النفخة الأولى وما ذكر من إتيانهم داخرين من خواص النفخة الثانية ويندفع بذلك ما يورد على كل واحد من الوجهين السابقين.
وقد استثنى سبحانه جمعا من عباده من حكم الفزع العام الشامل لمن في السماوات والأرض، وسيجئ كلام في معنى هذا الاستثناء في الكلام على قوله الآتي: (وهم من فزع يومئذ آمنون).
والظاهر أن المراد بقوله: (وكل أتوه داخرين) رجوع جميع من في السماوات والأرض حتى المستثنين من حكم الفزع وحضورهم عنده تعالى، وأما قوله: (فإنهم لمحضرون إلا عباد الله المخلصين) الصافات: 127، فالظاهر أن المراد نفي إحضارهم في الجمع للحساب والسؤال لا نفي بعثهم ورجوعهم إلى الله وحضورهم عنده فآيات القيامة ناصة على عموم البعث لجميع الخلائق بحيث لا يشذ منهم شاذ.
ونسبة الدخور والذلة إلى أوليائه تعالى لا تنافي ما لهم من العزة عند الله فإن عزة العبد عند الله ذلته عنده وغناه بالله فقره إليه نعم ذلة أعدائه بما يرون لأنفسهم من العزة الكاذبة ذلة هوان.
قوله تعالى: (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي