تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ٤٠٢
يستطيع هداية المؤمنين بآياته المستسلمين للحق وأما المشركون في جحودهم وبنو إسرائيل في اختلافهم فإنهم موتى لا يسمعون وصم عمي لا يسمعون ولا يهتدون إلى الحق بالنظر في آيات السماء والأرض والاعتبار بها باختيار منهم.
ثم ذكر ما سيواجههم به - وحالهم هذه الحال لا يؤثر فيهم الآيات - وأنه سيخرج لهم دابة من الأرض تكلمهم وهي آية خارقة تضطرهم إلى قبول الحق وأنه يحشر من كل أمة فوجا من المكذبين فيتم عليهم الحجة، وبالآخرة هو خبير بأفعالهم سيجزي من جاء بحسنة أو سيئة بعمله يوم ينفخ في الصور ففزعوا وأتوه داخرين.
وبالتأمل في هذا السياق يظهر أن الأنسب كون (يوم ينفخ) ظرفا لقوله: (إنه خبير بما يفعلون) وقراءة (يفعلون) بياء الغيبة أرجح من القراءة المتداولة على الخطاب.
والمعنى: وإنه تعالى خبير بما يفعله أهل السماوات والأرض يوم ينفخ في الصور ويأتونه داخرين يجزي من جاء بالحسنة بخير منها ومن جاء بالسيئة بكب وجوههم في النار كل مجزي بعمله، وعلى هذا تكون الآية في معنى قوله تعالى: (أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور إن ربهم بهم يومئذ لخبير) العاديات: 11، وقوله:
(يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شئ) المؤمن: 16، ويكون قوله: (من جاء بالحسنة الخ، تفصيلا لقوله: (إنه خبير بما يفعلون) من حيث لازم الخبرة وهو الجزاء بما فعل وعمل كما أشار إليه ذيلا بقوله: (هل تجزون إلا ما كنتم تعملون) والالتفات من الغيبة إلى الخطاب في قوله: (هل تجزون) الخ، لتشديد التقريع والتأنيب.
وفي الآية أعني قوله: (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب) الخ، قولان آخران:
أحدهما: حملها على الحركة الجوهرية وأن الأشياء كالجبال تتحرك بجوهرها إلى غاية وجودها وهي حشرها ورجوعها إلى الله سبحانه.
وهذا المعنى أنسب بالنظر إلى ما في قوله: (تحسبها جامدة) من التلويح إلى أنها اليوم متحركة ولما تقم القيامة، وأما جعل يوم القيامة ظرفا لحسبان الجمود وللمرور كالسحاب جميعا فمما لا يلتفت إليه.
وثانيهما: حملها على حركة الأرض الانتقالية وهو بالنظر إلى الآية في نفسها معنى
(٤٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 397 398 399 400 401 402 403 404 405 406 407 » »»
الفهرست