تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ٣٩
بل لا يشعرون " " نمدهم " - بضم النون - من الامداد والمد والامداد بمعنى واحد وهو تتميم نقص الشئ وحفظه من أن ينقطع أو ينفد، قال الراغب: وأكثر ما يستعمل الامداد في المحبوب والمد في المكروه، فقوله: " نمدهم " من الامداد المستعمل في المكروه والمسارعة لهم في الخيرات إفاضة الخيرات بسرعة لكرامتهم عليه فيكون الخيرات على ظنهم هي المال والبنون سورع لهم فيها.
والمعنى: أيظن هؤلاء أن ما نعطيهم في مدة المهلة من مال وبنين خيرات نسارع لهم فيها لرضانا عنهم أو حبنا لاعمالهم أو كرامتهم علينا؟
لا، بل لا يشعرون أي إن الامر على خلاف ما يظنون وهم في جهل بحقيقة الامر وهو إن ذلك إملاء منا واستدراج وإنما نمدهم في طغيانهم يعمهون كما قال تعالى: " سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين " الأعراف: 183.
قوله تعالى: " إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون " إلى آخر الآيات الخمس، يبين تعالى في هذه الآيات الخمس بمعونة ما تقدم أن الذي يظن هؤلاء الكفار أن المال والبنين خيرات نسارع لهم فيها خطأ منهم فليست هي من الخيرات في شئ بل استدراج واملاء وإنما الخيرات التي يسارع فيها هي ما عند المؤمنين بالله ورسله واليوم الآخر الصالحين في أعمالهم.
فأفصح تعالى عن وصفهم فقال: " إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون "، قال الراغب: الاشفاق عناية مختلطة بخوف لان المشفق يحب المش فق عليه ويخاف ما يلحقه، قال تعالى: " وهم من الساعة مشفقون " فإذا عدي بمن فمعنى الخوف فيه أظهر، وإذا عدي بفي فمعنى العناية فيه أظهر، قال: " إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين " " مشفقون منها ". انتهى.
والآية تصفهم بأنهم اتخذوا الله سبحانه ربا يملكهم ويدبر أمرهم، ولازم ذلك أن يكون النجاة والهلاك دائرين مدار رضاه وسخطه يخشونه في أمر يحبونه وهو نجاتهم وسعادتهم فهم مشفقون من خشيته وهذا هو الذي يبعثهم إلى الايمان بآياته وعبادته، وقد ظهر بما مرمن المعنى أن الجمع في الآية بين الخشية والاشفاق ليس تكرارا مستدركا.
ثم قال: " والذين هم بآيات ربهم يؤمنون " وهي كل ما يدل عليه تعالى بوجه
(٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 ... » »»
الفهرست