قوله تعالى: " وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون " المراد بالسماء جهة العلو فإن ما علاك وأظلك فهو سماء، والمراد بالماء النازل منها ماء المطر.
وفي قوله: " بقدر " دلالة على أن الذي نزل إنما نزل على حسب ما يقتضيه التدبير التام الإلهي الذي يقدره بقدر لا يزيد قطرة على ما قدر ولا ينقص، وفيه تلميح أيضا إلى قوله: " وإن من شئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم " الحجر: 21.
والمعنى: وأنزلنا من جهة العلو ماء بقدر وهو ماء المطر فأسكناه في الأرض وهو الذخائر المدخرة من الماء في الجبال والسهول تتفجر عنه العيون والأنهار وتكشف عنه الآبار، وإنا لقادرون على أن نذهب بهذا الماء الذي أسكناه في الأرض نوعا من الذهاب لا تهتدون إلى علمه.
قوله تعالى: " فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب " إلى آخر الآية، إنشاء الجنات إحداثها وتربيتها، ومعنى الآية ظاهر.
قوله تعالى: " إلى شجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين " معطوف على " جنات " أي وأنشأنا لكم به شجرة في طور سيناء، والمراد بها شجرة الزيتون التي تكثر في طور سيناء، وقوله: " تنبت بالدهن " أي تثمر ثمرة فيها الدهن وهو الزيت فهي تنبت بالدهن، وقوله: " وصبغ للآكلين " أي وتنبت بصبغ للآكلين، والصبغ بالكسر فالسكون الادام الذي يؤتدم به، وإنما خص شجرة الزيتون بالذكر لعجيب أمرها، والمعنى ظاهر.
قوله تعالى: " وإن لكم في الانعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها " الخ، العبرة الدلالة يستدل بها على أنه تعالى مدبر لأمر خلقه حنين بهم رؤوف رحيم، والمراد بسقيه تعالى مما في بطونها أنه رزقهم من ألبانها، والمراد بالمنافع الكثيرة ما ينتفعون من صوفها وشعرها ووبرها وجلودها وغير ذلك، ومنها يأكلون.
قوله تعالى: " وعليها وعلى الفلك تحملون " ضمير " عليها " للانعام والحمل على الانعام هو الحمل على الإبل، وهو حمل في البر ويقابله الحمل في البحر وهو الحمل على الفلك، فالآية في معنى قوله: " وحملناهم في البر والبحر " أسرى: 70، والفلك جمع فلكة وهي السفينة.