تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ٤٤
قوله بعد: " قد كانت آياتي تتلي عليكم " والغمرة الغفلة الشديدة أو الجهل الشديد الذي غمرهم، وقوله: " ولهم أعمال من دون ذلك " الخ، أي من غير ما وصفناه من حال المؤمنين وهو كناية عن أن لهم شاغلا يشغلهم عن هذه الخيرات والأعمال الصالحة وهو الأعمال الرديئة الخبيثة التي هم لها عاملون.
والمعنى: بل الكفار في غفلة شديدة أو جهل شديد عن هذا الذي وصفنا به المؤمنين ولهم أعمال رديئة خبيثة من دون ذلك هم لها عاملون في شاغلتهم ومانعتهم.
قوله تعالى: " حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون " الجؤار - بضم الجيم - صوت الوحش كالظباء ونحوها عند الفزع كني به عن رفعهم الصوت بالاستغاثة والتضرع، وقيل: المراد به ضجتهم وجزعهم والآيات التالية تؤيد المعنى الأول.
وإنما جعل مترفيهم متعلق العذاب لان الكلام فيمن ذكره قبلا بقوله: " أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين " وهم الرؤساء المتنعمون منهم وغيرهم تابعون لهم.
قوله تعالى: " لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون " العدول عن سياق الغيبة إلى الخطاب لتشديد التوبيخ والتقريع ولقطع طمعهم في النجاة بسبب الاستغاثة وأي رجاء وأمل لهم فيها فإن إخبار الوسائط أنهم لا ينصرون لدعاء أو شفاعة لا يقطع طمعهم في النصر كما يقطعه إخبار من إليه النصر نفسه.
قوله تعالى: " قد كانت آياتي تتلى عليكم - إلى قوله - تهجرون " النكوص:
الرجوع القهقري، والسامر من السمر وهو التحديث بالليل، قيل: السامر كالحاضر يطلق على المفرد والجمع، وقرئ " سمرا " - بضم السين وتشديد الميم - جمع سامر وهو أرجح، وقرئ أيضا " سمارا " - بالضم والتشديد - والهجر: الهذيان.
والفصل في قوله: " قد كانت آياتي " الخ، لكونه في مقام التعليل، والمعنى:
إنكم منا لا تنصرون لأنه قد كانت آياتي تتلى وتقرأ عليكم فكنتم تعرضون عنها وترجعون إلى أعقابكم القهقري مستكبرين بنكوصكم تحدثون في أمره في الليل تهجرون وتهذون، وقيل: ضمير " به " عائد إلى البيت أو الحرم وهو كما ترى.
قوله تعالى: " أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين " شروع في قطع أعذارهم في الاعراض عن القرآن النازل لهدايتهم وعدم استجابتهم للدعوة الحقة التي قام بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
(٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 ... » »»
الفهرست