تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ٢٩٧
العالمين فإنه الذي كان يختص نوح بالدعوة إليه من بينهم، وقوله: " تشعرون " مقطوع عن العمل أي لو كان لكم شعور، وقيل: المعنى لو تشعرون بشئ لعلمتم ذلك وهو كما ترى.
والمعنى: بالنظر إلى الحصر الذي في صدر الآية انه لا علم لي بسابق أعمالهم وليس علي حسابهم حتى أتجسس وأبحث عن أعمالهم وإنما حسابهم على ربي " لو تشعرون " فيجازيهم حسب أعمالهم.
قوله تعالى: " وما أنا بطارد المؤمنين إن أنا إلا نذير مبين "، الآية الثانية بمنزلة التعليل للأولى والمجموع متمم للبيان السابق والمعنى: لا شأن لي إلا الانذار والدعوة فلست أطرد من أقبل علي وآمن بي ولست أتفحص عن سابق أعمالهم لا حاسبهم عليها فحسابهم على ربي وهو رب العالمين لا علي.
قوله تعالى: " قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين " المراد بالانتهاء ترك الدعوة، والرجم هو الرمي بالحجارة، وقيل: المراد به الشتم وهو بعيد، وهذا مما قالوه في آخر العهد من دعوتهم يهددونه عليه السلام بقول جازم كما يشهد به ما في الكلام من وجوه التأكيد.
قوله تعالى: " قال رب إن قومي كذبون فافتح بيني وبينهم فتحا " الخ، هذا استفتاح منه عليه السلام وقد قدم له قوله: " رب إن قومي كذبون " على سبيل التوطئة أي تحقق منهم التكذيب المطلق الذي لا مطمع في تصديقهم بعده كما يستفاد من دعائه عليهم إذ يقول: " رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا " نوح: 27.
وقوله: " فافتح بيني وبينهم فتحا " كناية عن القضاء بينه وبين قومه كما قال تعالى: " ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون " يونس: 47.
وأصله من الاستعارة بالكناية كأنه وأتباعه والكفار من قومه اختلطوا واجتمعوا من غير تميز فسأل ربه أن يفتح بينهم بإيجاد فسحة بينه وبين قومه يبتعد بذلك أحد القبيلين من الآخر وذلك كناية عن نزول العذاب وليس يهلك إلا القوم الفاسقين والدليل عليه قوله بعد: " ونجني ومن معي من المؤمنين ".
(٢٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 292 293 294 295 296 297 298 299 300 301 302 ... » »»
الفهرست