عليه السلام عن تعريف الحقيقة بالحد إلى تعريفه تعالى بصفاته فقال رب السماوات والأرض وما بينهما وأشار بقوله: إن كنتم موقنين " إلى دلالتها بحدوثها على أن محدثها ذات واحدة واجبة الوجود لا يشاركها في وجوب وجودها شئ غيرها.
وجه الفساد ما عرفت أن الوثنية قائلون باستحالة العلم بحقيقة الذات وكنهها، وأن الموجد ذات واجبة الوجود لا يشاركها في وجوب وجودها غيره، وأن الآلهة من دون الله موجودات ممكنة الوجود كل منها مدبر لجهة من جهات العالم وهي جميعا مخلوقة لله فما قرروه في معنى الآية لا يجدي في مقام المخاصمة معهم شيئا.
وقوله: " قال لمن حوله ألا تستمعون " أي ألا تصغون إلى ما يقول موسى؟
والاستفهام للتعجيب يريد أن يصغوا إليه تعجبوا من قوله حيث يدعي رسالة رب العالمين وإذ اسئل ما رب العالمين؟ أعاد الكلمة ثانيا ولم يزد على ما بدأ به شيئا.
وهذا تمويه منه عليهم يريد به الستر على الحق الذي لاح من كلام موسى عليه السلام فإنه إنما قال: إن جميع العالمين تدل بوحدة التدبير الذي يشاهده أهل اليقين فيها علي أن لها ربا مدبرا واحدا هو الذي تسألني عنه، وهو يفسر كلامه أنه يقول: أنا رسول رب العالمين، فإذا سألته ما رب العالمين؟ يجيبني بأنه رب العالمين.
وبما تقدم بان عدم سداد قولهم في تفسير هذا التعجيب إن مراده أني سألته عن الذات فأجاب بالصفة وذلك أن السؤال إنما هو عن الذات من حيث صفته على ما تقدم بيانه، ولم يفسر موسى الذات بالوصف بل غير قوله: رب العالمين إلى قوله: " رب السماوات والأرض " فوضع ثانيا قوله: " السماوات والأرض " مكان قوله أولا:
" العالمين " كأنه يومي إلى أن فرعون لم يفهم معنى العالمين.
وقوله: " قال ربكم ورب آبائكم الأولين " جواب موسى عليه السلام ثانيا فإنه لما رأي تمويه فرعون على من قوله وقد كان أجاب عن سؤاله " وما رب العالمين " بتفسير العالمين من العالم الكبير كالسماوات والأرض وما بينهما عدل ثانيا إلى ما يكون أصرح في المقصود فذكر ربوبيته تعالى لعالمي الانسانية فإن العالم الجماعة من الناس أو الأشياء فعالمو الانسان هو الجماعات من الحاضرين والماضين ولذلك قال: " ربكم ورب آبائكم الأولين ".