تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ٢٧١
فإن فرعون ما كان يدافع في الحقيقة إلا عن نفسه لما كان يدعي الألوهية فكان يحتال في أن يبطل تعلق ربوبية الرب به في ضمن تعلقه بالعالمين لاستلزام ذلك بطلان ربوبية الأرباب وهو من جملتهم وإن كان يرى أنه أعلاهم وأهمهم كما حكي الله تعالى عنه: " فقال أنا ربكم الاعلى " النازعات: 24. " وقال فرعون يا أيها الملا ما علمت لكم من إله غيري " القصص: 38.
فكأنه كان يقول: إن أردت برب العالمين الله تعالى فهو رب الأرباب لا غير وإن أردت غيره من الآلهة فكل منهم رب عالم خاص فما معنى رب العالمين؟ فأجاب موسى بما حاصله أن ليس في الوجود إلا رب واحد فيكون رب العالمين فهو ربكم وقد أرسلني إليكم.
وكان محصل تمويه فرعون أن موسى لم يجبه بشئ إذ كرر اللفظ فأجابه موسى ثانيا بالتصريح على أن رب العالمين هو رب عالمي الانسانية من الحاضرين والماضين وبذلك تنقطع حيلته.
وقوله: " قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون " قول فرعون ثانيا وقد سمي موسى رسولا تهكما واستهزاء وأضافه إلى من حوله ترفعا من أن يكون رسولا إليه، وقد رماه بالجنون مستندا إلى قوله عليه السلام: " ربكم ورب آبائكم " الخ.
كأنه يقول: إنه لمجنون لما في كلامه من الاختلال الكاشف عن الاختلال في تعقله يدع رسالة رب العالمين فأساله ما رب العالمين؟ فيكرر اللفظ تقريبا أولا ثم يفسره بأنه ربكم ورب آبائكم الأولين.
وقوله: " قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون " ظاهر السياق أن المراد بالمشرق جهة شروق الشمس وسائر الاجرام النيرة السماوية وطلوعها و بالمغرب الجهة التي تغرب فيها بحسب الحس، وبما بينهما ما بين الجهتين فيشمل العالم المشهود ويساوي السماوات والأرض وما بينهما.
فيكون إعادة المعنى الجواب الأول بتقرير آخر وهو مشتمل على ما اشتمل عليه من نكتة اتصال التدبير واتحاده فإن للشروق ارتباطا بالغروب والمشرق والمغرب يتحققان طرفين لوسط بينهما، كما أن للسماء أرضا ولهما أمر بينهما وهذا النوع من الاتحاد
(٢٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 266 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 ... » »»
الفهرست