تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ١٤٨
الايمان فإن مقتضى الايمان بالله ورسوله وعقد القلب على اتباع ما حكم به الله ورسوله التلبية للدعوة إلى حكم الله ورسوله دون الرد.
وعلى هذا فالمراد بقوله: " إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم " دعوة بعض الناس ممن ينازعهم كدعوة بعض المتنازعين المتخاصمين الآخر إلى التحاكم إلى الله ورسوله ليحكم بينهم، ويدل عليه تصدير الجملة بلفظة " إذا " ولو كان المراد به دعوة الله ورسوله بمعنى إيجاب رجوع المؤمنين في منازعاتهم إلى حكم الله ورسوله كان ذلك حكما مؤبدا لا حاجة فيه إلى التقييد بالزمان.
وبذلك يظهر ضعف ما قيل: إن فاعل " دعوا " المحذوف هو الله ورسوله، والمعنى: إذا دعاهم الله ورسوله. نعم مرجع الدعوة بأخرة إلى دعوة الله ورسوله.
وكيف كان تقصر الآية قول المؤمنين على تقدير الدعوة إلى حكم الله ورسوله في قولهم: سمعنا وأطعنا وهو سمع وطاعة للدعوة الإلهية سواء فرض الداعي هو أحد المتنازعين للاخر أو فرض الداعي هو الله ورسوله أو كان المراد هو السمع والطاعة لحكم الله ورسوله وإن كان بعيدا.
وانحصار قول المؤمنين عند الدعوة في " سمعنا وأطعنا " يوجب كون الرد للدعوة ليس من قول المؤمنين فيكون تعديا عن طور الايمان، كما يفيده قوله:
" بل أولئك هم الظالمون " على ما تقدم، فتكون الآية في مقام التعليل للاضراب في ذيل الآية السابقة.
وقد ختمت الآية بقوله: " وأولئك هم المفلحون " وفيه قصر الفلاح فيهم لا قصرهم في الفلاح.
قوله تعالى: " ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون " ورود الآية في سياق الآيات السابقة وانضمامها إلى سابقتها يعطي أنها في مقام التعليل - كالكبرى الكلية - للآية السابقة حيث حكمت بفلاح من أجاب الدعوة إلى حكم الله ورسوله بالسمع والطاعة بقيد الايمان كأنه قيل: إنما أفلح من أجاب إلى حكم الله ورسوله وهو مؤمن لأنه مطيع لله ولرسوله وهو مؤمن حقا في باطنه خشية الله وفي
(١٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 ... » »»
الفهرست