تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ١٣٧
وقوله: " وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالابصار " السماء جهة العلو، وقوله: " من جبال فيها " بيان للسماء، والجبال جمع جبل وهو معروف، وقوله: " من برد " بيان للجبال، والبرد قطعات الجمد النازل من السماء، وكونه جبالا فيها كناية عن كثرته وتراكمه، والسنا بالقصر الضوء.
والكلام معطوف على قوله: " يزجي "، والمعنى: ألم تر أن الله ينزل من السماء من البرد المتراكم فيها كالجبال فيصيب به من يشاء فيفسد المزارع والبساتين وربما قتل النفوس والمواشي ويصرفه عمن يشاء فلا يتضررون به يقرب ضوء برقه من أن يذهب بالابصار . والآية - على ما يعطيه السياق - مسوقة لتعليل ما تقدم من اختصاصه المؤمنين بنوره، والمعنى: أن الامر في ذلك إلى مشيته تعالى كما ترى أنه إذا شاء نزل من السماء مطرا فيه منافع الناس لنفوسهم ومواشيهم ومزارعهم وبساتينهم، وإذا شاء نزل بردا فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء.
قوله تعالى: " يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لاولى الابصار " بيان آخر الرجوع الامر إلى مشيته تعالى فقط. وتقليب الليل والنهار تصريفهما بتبديل أحدهما من الآخر، ومعنى الآية ظاهر.
قوله تعالى: " والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع " بيان آخر لرجوع الامر إلى مشيته تعالى محضا حيث يخلق كل دابة من ماء ثم تختلف حالهم في المشي فمنهم من يمشي على بطنه كالحيات والديدان، ومنهم من يمشي على رجلين كالأناسي والطيور ومنهم من يمشي، على أربع كالبهائم والسباع، واقتصر سبحانه على هذه الأنواع الثلاثة - وفيهم غير ذلك - إيجازا لحصول الغرض بهذا المقدار.
وقوله: " يخلق الله ما يشاء " تعليل لما تقدم من اختلاف الدواب، مع وحدة المادة التي خلقت منها يبين أن الامر إلى مشية الله محضا فله أن يعمم فيضا من فيوضه
(١٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 ... » »»
الفهرست