شكهم في دينهم بعد الايمان دون الشك في صلاحية النبي صلى الله عليه وآله وسلم للحكم أو عدله ونحو ذلك لكونها بحسب الطبع محتاجة إلى بيان بنصب قرينة.
وقوله: " أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله " أي أم يعرضون عن ذلك لانهم يخافون أن يجور الله عليهم ورسوله لكون الشريعة الإلهية التي يتبعها حكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم مبنية على الجور وإماتة الحقوق الحقة، أو لكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يراعي الحق في قضائه.
وقوله: " بل أولئك هم الظالمون أضراب عن الترديد السابق بشقوقه الثلاثة وذلك أن سبب أعراضهم لو كان مرض قلوبهم أو ارتيابهم لم يأتوا إليه مذعنين على تقدير كون الحق لهم بل كانوا يعرضون كان الحق لهم أو عليهم، وأما الخوف من أن يحيف الله عليهم ورسوله فلا موجب له فالله برئ من الحيف ورسوله فليس إعراضهم عن إجابة الدعوة إلى حكم الله ورسوله إلا لكونهم حق عليهم أنهم ظالمون. والظاهر أن المراد بالظلم التعدي عن طور الايمان مع الاقرار به قولا كما قال آنفا: " وما أولئك بالمؤمنين " أو خصوص التعدي إلى الحقوق غير المالية، ولو كان المراد مطلق الظلم لم يصح الاضراب عن الشقوق الثلاثة السابقة إليه لأنها من مطلق الظلم ويدل عليه أيضا الآية التالية.
وقد بأن بما تقدم أن الترديد في أسباب الاعراض على تقدير عدم النفاق بين الأمور الثلاثة حاصر والأقسام متغايرة فإن محصل المعنى أنهم منافقون غير مؤمنين إذ لو لم يكونوا كذلك كان إعراضهم أما لضعف إيمانهم وإما لزواله بالارتياب وإما للخوف من غير سبب يوجبه فإن الخوف من الرجوع إلى حكم الحاكم إنما يكون إذا احتمل حيفه في حكمه وميله عن الحق إلى الباطل ولا يحتمل ذلك في حكم الله ورسوله.
وقد طال البحث في كلامهم عما في الآية من الترديد والاضراب ولعل فيما ذكرناه كفاية، ومن أراد أزيد من ذلك فليراجع المطولات.
قوله تعالى: " إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا " إلى آخر الآية سياق قوله: " إنما كان قول المؤمنين " وقد أخذ فيه " كان " ووصف الايمان في " المؤمنين " يدل على أن ذلك من مقتضيات طبيعة