تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ١٥٢
" ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض وجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض " القصص: 6.
ففيه أن المجتمع الإسرائيلي المنعقد بعد نجاتهم من فرعون وجنوده لم يصف من الكفر ولنفاق والفسق ولم يخلص للذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا حينا على ما ينص عليه القرآن الكريم في آيات كثيرة، ولا وجه لتشبيه استخلاف الذين آمنوا وعملوا الصالحات باستخلافهم وفيهم الكافر والمنافق والطالح والصالح.
ولو كان المراد تشبيه أصل استخلافهم بأصل استخلاف الذين من قبلهم - وهم بنو إسرائيل - كيفما كان لم يحتج إلى إشخاص المجتمع الإسرائيلي للتشبيه به وفي زمن نزول الآية وقبل ذلك أمم أشد قوة وأكثر جمعا منهم كالروم والفارس وكلدة وغيرهم وقد قال تعالى في عاد الأولى وثمود: " إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح " الأعراف:
69، وقال: " إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد " الأعراف: 74، وقد خاطب بذلك الكفار من هذه الأمة فقال: " وهو الذي جعلكم خلائف الأرض " الانعام: - 165، وقال: " هو الذي جعلكم خلائف في الأرض فمن كفر فعليه كفره " فاطر: 39.
فإن قلت: لم لا يجوز أن يكون التشبيه ببني إسرائيل ثم يؤدي حق هذا المجتمع الصالح بما يعقبه من قوله: " وليمكنن لهم دينهم " إلى آخر الوعد؟
قلت: نعم ولكن لا موجب حينئذ لاختصاص استخلاف بني إسرائيل لان يشبه به وأن يكون المراد بالذين من قبلهم بني إسرائيل فقط كما تقدم.
وقوله: " وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم " تمكين الشئ إقراره في مكان وهو كناية عن ثبات الشئ من غير زوال واضطراب وتزلزل بحيث يؤثر أثره من غير مانع ولا حاجز فتمكن الدين هو كونه معمولا به في المجتمع من غير كفر به واستهانة بأمره، ومأخوذا بأصول معارفه من غير اختلاف وتخاصم وقد حكم الله سبحانه في مواضع من كلامه أن الاختلاف في الدين من بغي المختلفين كقوله: " وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم " البقرة: 213.
والمراد بدينهم الذي إرتضى لهم دين الاسلام، وأضاف الدين إليهم تشريفا لهم ولكونه من مقتضى فطرتهم.
(١٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 ... » »»
الفهرست