تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ١٤٦
والنبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما كان يحكم بينهم بحكم الله على ما أراه الله كما قال تعالى: " إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله " النساء: 105. للحكم نسبة إليه بالمباشرة ونسبة إلى الله سبحانه من حيث كان الحكم في ضوء شريعته وبنصبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم للحكم والقضاء.
وبذلك يظهر أن المراد بالدعوة إلى الله ليحكم بينهم هي الدعوة إلى المتابعة لما يقتضيه شرعه تعالى في مورد النزاع، وبالدعوة إلى رسوله ليحكم بينهم هي الدعوة إلى متابعة ما يقضي عليه بالمباشرة وأن الظاهر أن ضمير " ليحكم " للرسول، وإنما أفرد الفاعل ولم يثن إشارة إلى أن حكم الرسول حكمه تعالى.
والآية بالنسبة إلى الآية السابقة كالخاص بالنسبة إلى العام فهي تقص إعراضنا معينا منهم والاعراض المذكور في الآية السابقة منهم إعراض مطلق.
قوله تعالى: " وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين " الاذعان الانقياد، وظاهر السياق وخاصة قوله: " يأتوا إليه " أن المراد بالحق حكم الرسول بدعوي أنه حق لا ينفك عنه، والمعنى وإن يكون الحق الذي هو حكم الرسول لهم لا عليهم يأتوا إلى حكمه منقادين فليسوا بمعرضين عنه إلا لكونه عليهم لا لا لهم، ولازم ذلك أنهم يتبعون الهوى ولا يريدون اتباع الحق.
قوله تعالى: " أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله " إلى آخر الآية. الحيف الجور.
وظاهر سياق الآيات أن المراد بمرض القلوب ضعف الايمان كما في قوله تعالى:
" فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض " الأحزاب: 32، وقوله: " لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض و المرجفون في المدينة لنغرينك بهم " الأحزاب:
60، وغير ذلك من الآيات.
وأما كون المراد بمرض القلوب النفاق كما فسر به فيدفعه قوله في صدر الآيات:
" وما أولئك بالمؤمنين " فإنه حكم بنفاقهم، ولا معنى مع إثبات النفاق للاستفهام عن النفاق ثم الاضراب عنه بقوله: " بل أولئك هم الظالمون ".
و قوله: " أم ارتابوا " ظاهر إطلاق الارتياب وهو الشك أن يكون المراد هو
(١٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 ... » »»
الفهرست