وإلى ذلك يشير قوله: " ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه " وبه يحتج تعالى على كونه نور السماوات والأرض لان النور هو ما يظهر به الشئ المستنير ثم يدل بظهوره على مظهره، وهو تعالى يظهر ويوجد بإظهاره وإيجاده الأشياء ثم يدل على ظهوره ووجوده.
وتزيد الآية بالإشارة إلى لطائف يكمل بها البيان:
منها: اختصاصها من في السماوات والأرض والطير صافات وهم العقلاء وبعض ذوات الروح بالذكر مع عموم التسبيح لغيرهم لقوله: " وإن من شئ إلا يسبح بحمده ".
ولعل ذلك من باب اختيار أمور من أعاجيب الخلقة للذكر فإن ظهور الموجود العاقل الذي يدل عليه لفظ من في السماوات والأرض من عجيب أمر الخلقة الذي يدهش لب ذي اللب، كما أن صفيف الطير الصافات في الجو من أعجب ما يرى من أعمال الحيوان ذي الشعور وأبدعه.
ويظهر من بعضهم أن المراد بقوله: " من في السماوات " الخ، جميع الأشياء وإنما عبر بلفظ أولي العقل لكون التسبيح المنسوب إليها من شؤون أولى العقل أو للتنبيه على قوة تلك الدلالة ووضوح تلك الإشارة تنزيلا للسان الحال منزلة المقال.
وفيه أنه لا يلائم إسناد العلم إليها في قوله بعد: " كل قد علم صلاته وتسبيحه ". ومنها: تصدير الكلام بقوله: " ألم تر " وفيه دلالة على ظهور تسبيحهم ووضوح دلالتهم على التنزيه بحيث لا يرتاب فيه ذو ريب فكثيرا ما يعبر عن العلم الجازم بالرؤية كما في قوله تعالى: " ألم تر أن الله خلق السماوات والأرض " إبراهيم: 19، والخطاب فيه عام لكل ذي عقل وإن كان خاصا بحسب الفظ.
ومن الممكن أن يكون خطابا خاصا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد كان أراه الله تسبيح من في السماوات والأرض والطير صافات فيما أراه من ملكوت السماوات والأرض وليس ببدع منه صلى الله عليه وآله وسلم وقد أرى الناس تسبيح الحصاة في كفه كما وردت به الأخبار المعتبرة.
ومنها: أن الآية تعمم العلم لكل ما ذكر في السماوات والأرض والطير، وقد تقدم بعض البحث عنه في تفسير قوله: " وأن من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم " الاسراء: 44، وستجئ تتمة الكلام فيه في تفسيره سورة حم السجدة إن شاء الله.