تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ١٣١
عباداتهم يتقربون بها إلى آلهتهم - بسراب بقيعة يحسبه الانسان ماء ولا حقيقة له يترتب عليها ما يترتب على الماء من رفع العطش وغير ذلك.
وإنما قيل: يحسبه الظمآن ماء مع أن السراب يتراءى ماء لكل راء لان المطلوب بيان سيره إليه ولا يسير إليه إلا الظمآن يدفعه إليه ما به من ظماء، ولذلك رتب عليه قوله: " حتى إذا جاءه لم يجده شيئا، كأنه قيل: كسراب بقيعة يتخيله الظمآن ماء فيسير إليه ويقبل نحوه ليرتوي ويرفع عطشه به، ولا يزال يسير حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.
والتعبير بقوله: " جاءه " دون أن يقال: بلغه أو وصل إليه أو انتهى إليه ونحوها للايماء إلى أن هناك من يريد مجيئه وينتظره انتظارا وهو الله سبحانه، ولذلك أردفه بقوله: " ووجد الله عنده فوفاه حسابه " فأفاد أن هؤلاء يريدون بأعمالهم الظفر بأمر تبعثهم نحو فطرتهم وجبلتهم وهو السعادة التي يريدها كل إنسان بفطرته وجبلته لكن أعمالهم لا توصلهم إليه، ولا أن الآلهة التي يبتغون بأعمالهم جزاء حسنا منهم لهم حقيقة بل الذي ينتهي إليه أعمالهم و يحيط هو بها ويجزيهم هو الله سبحانه فيوفيهم حسابهم، وتوفية الحساب كناية عن الجزاء بما يستوجبه حساب الأعمال وإيصال ما يستحقه صاحب الأعمال.
ففي الآية تشبيه أعمالهم بالسراب، وتشبيههم بالظمآن الذي يريد الماء وعنده عذب الماء لكنه يعرض عنه ولا يصغى إلى مولاه الذي ينصحه ويدعوه إلى شربه بل يحسب السراب ماء فيسير إليه ويقبل نحوه، وتشبيه مصيرهم إلى الله سبحانه بحلول الآجال وعند ذلك تمام الأعمال بالظمآن السائر إلى السراب إذا جاءه وعنده مولاه الذي كان ينصحه ويدعوه إلى شرب الماء.
فهؤلاء قوم ألهوا عن ذكر ربهم والأعمال الصالحة الهادية إلى نوره وفيه سعادتهم وحسبوا أن سعادتهم عند غيره من الآلهة الذين يدعونهم، والأعمال المقربة إليهم وفيها سعادتهم فأكبوا على تلك الأعمال السرابية استوفوا ما يمكنهم أن يأتوا بها مدة أعمارهم حتى حلت آجالهم وشارفوا الدار الآخرة فلم يجدوا شيئا مما يؤملونه من أعمالهم ولا أثرا من ألوهية آلهتهم فوفاهم الله حسابهم والله سريع الحساب.
(١٣١)
مفاتيح البحث: الظمأ (3)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 ... » »»
الفهرست