تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ١٢٣
وقوله: " مثل نوره " يصف تعالى نوره، وإضافة النور إلى الضمير الراجع إليه تعالى - وظاهره الإضافة اللامية - دليل على أن المراد ليس هو وصف النور الذي هو الله بل النور المستعار الذي يفيضه، وليس هو النور العام المستعار الذي يظهر به كل شئ وهو الوجود الذي يستفيضه منه الأشياء وتتصف به، والدليل عليه قوله بعد تتميم المثل: " يهدي الله لنوره من يشاء " إذ لو كان هو النور العام لم يختص به شئ دون شئ بل هو نوره الخاص بالمؤمنين بحقيقة الايمان على ما يفيده الكلام.
وقد نسب تعالى في سائر كلامه إلى نفسه نورا كما في قوله: " يريدون ليطفؤا نور الله بأفواههم والله متم نوره " الصف: 8، وقوله: " أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها " الانعام: 122 وقوله: " يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به " الحديد: 28، وقوله: " أفمن شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربه " الزمر: 22، وهذا هو النور الذي يجعله الله لعباده المؤمنين يستضيئون به في طريقهم إلى ربهم وهو نور الايمان والمعرفة.
وليس المراد به القرآن كما قاله بعضهم فإن الآية تصف حال عامة المؤمنين قبل نزول القرآن وبعده. على أن هذا النور وصف لهم يتصفون به كما يشير إليه قوله:
" لهم أجرهم ونورهم " الحديد: 19 وقوله: " يقولون ربنا أتمم لنا نورنا " التحريم:
والقرآن ليس وصفا لهم وإن لو حظ باعتبار ما يكشف عنه من المعارف رجع إلى ما قلناه.
وقوله: " كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة " المشبه به مجموع ما ذكر من قوله مشكاة فيها مصباح المصباح " الخ " لا مجرد المشكاة وإلا فسد المعنى، وهذا كثير في تمثيلات القرآن.
وقوله: " الزجاجة كأنها كوكب دري " تشبيه الزجاجة بالكوكب الدري من جهة ازدياد لمعان نور المصباح وشروقه بتركيب الزجاجة على المصباح فتزيد الشعلة بذلك سكونا من غير إضطراب بتموج الاهوية وضرب الرياح فهي كالكوكب الدري في تلألؤ نورها وثبات شروقها.
(١٢٣)
مفاتيح البحث: القرآن الكريم (4)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 ... » »»
الفهرست