وقول بعضهم: إن الضمير في قوله: " قد علم " راجع إليه تعالى، يدفعه عدم ملائمته للسياق وخاصة لقوله بعده: " والله عليم بما يفعلون " ونظيره قول آخرين: إن إسناد العلم إلى مجموع ما تقدم من المجاز بتنزيل غير العالم منزلة العالم لقوة دلالته على تسبيحه وتنزيهه.
ومنها: تخصيصها التسبيح بالذكر مع أن الأشياء تشير إلى صفات كماله تعالى وهو التحميد كما تسبحه على ما يدل عليه البرهان ويؤيده قوله: " وإن من شئ إلا يسبح بحمده " ولعل الوجه فيه كون الآيات مسوقة للتوحيد ونفي الشركاء وذلك بالتنزيه أمس فإن من يدعو من دون الله إلها آخر أو يركن إلى غيره نوعا من الركون إنما يكفر بإثبات خصوصية وجود ذلك الشئ للاله تعالى فنفيه إنما يتأتى بالتنزيه دون التحميد فافهمه. وأما قوله: " كل قد علم صلاته وتسبيحه " فصلاته دعاؤه والدعاء توجيه من الداعي للمدعو إلى حاجته ففيه دلالة على حاجة عند الداعي المدعو في غنى عنها فهو أقرب إلى الدلالة على التنزيه منه على الثناء والتحميد.
ومنها: أن الآية تنسب التسبيح والعلم به إلى من في السماوات والأرض فيعم المؤمن والكافر، ويظهر بذلك أن هناك نورين: نور عام يعم الأشياء والمؤمن والكافر فيه سواء، وإلى ذلك تشير آيات كآية الذر: " وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين " الأعراف: 172، وقوله:
" فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد " ق: 22، إلى غير ذلك، ونور خاص وهو الذي تذكرة الآيات ويختص بأوليائه من المؤمنين.
فالنور الذي ينور تعالى به خلقه كالرحمة التي يرحمهم بها قسمان: عام وخاص وقد قال تعالى: " ورحمتي وسعت كل شئ " الأعراف: 156، وقوله: " فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته " الجاثية: 30 وقد جمع بينهما في قوله: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا " الحديد: 28، وما ذكر فيه من النور هو النور على نور بحذاء الثاني من كفلي الرحمة.