وقوله: " والله عليم بما يفعلون " ومن فعلهم تسبيحهم له سبحانه، وهذا التسبيح وإن كان في بعض المراحل هو نفس وجودهم لكن صدق اسم التسبيح يجوز أن يعد فعلا لهم بهذه العناية.
وفي ذكر علمه تعالى بما يفعلون عقيب ذكر تسبيحهم ترغيب للمؤمنين وشكر لهم بأن ربهم يعلم ذلك منهم وسيجزيهم جزاء حسنا، وإيذان بتمام الحجة على الكافرين، فإن من مراتب علمه تعالى كتب الأعمال والكتاب المبين التي تثبت فيها أعمالهم فيثبت فيها تسبيحهم بوجودهم ثم إنكارهم بألسنتهم.
قوله تعالى: " ولله ملك السماوات والأرض وإلى الله المصير " سياق الآية وقد وقعت بين قوله: " ألم تر أن الله سبح له " الخ، وهو احتجاج على شمول نوره العام لكل شئ، وبين قوله: " ألم تر أن الله يزجي: الخ، وما يتعقبه وهو إحتجاج على اختصاص النور الخاص، يعطي أنها كالمتوسط بين القبيلين أعني بين الامرين يحتج بها على كليهما، فملكه تعالى لكل شئ وكونه مصيرا لها هو دليل على تعميمه نوره العام تخصيصه نوره الخاص يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
فقوله: " ولله ملك السماوات والأرض " يخص الملك ويقصره فيه تعالى فله أن يفعل ما يشاء ويحكم بما يريد لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، ولازم قصر الملك فيه كونه هو المصير لكل شئ وإذ كان لا مليك إلا هو واليه مرجع كل شئ ومصيره فله أن يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
ومن هنا يظهر أن المراد - والله أعلم - بقوله: " وإلى الله المصير " مرجعيته تعالى في الأمور دون المعاد نظير قوله: " ألا إلى الله تصير الأمور " الشورى: 53.
قوله تعالى: " ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله " إلى آخر الآية. الازجاء هو الدفع، والركام المتراكم بعضه على بعض، والودق هو المطر، والخلال جمع الخلل وهو الفرجة بين الشيئين.
والخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعنوان أنه سامع فيشمل كل سامع، والمعنى: ألم تر أنت وكل من يرى أن الله يدفع بالرياح سحابا متفرقا ثم يؤلف بينه ثم يجعله متراكما بعضه على بعض فترى المطر يخرج من خلله وفرجه فينزل على الأرض.