تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ٦١
أما كلا أو بعضا وان كان الفرد منه ربما احتاج وسأل ولم يقض حاجته وهذا المعنى هو الذي يؤيده قوله تعالى: " أجيب دعوة الداع إذا دعان " البقرة: 186 فقد مر في تفسير الآية انه تعالى لا يرد دعاء من دعاه الا أن لا يكون دعاء حقيقة أو يكون دعاء إلا أنه ليس دعاءه بل دعاء غيره والفرد من الانسان ربما لم يواطئ لسانه قلبه أو لغى في دعائه لكن النوع بنوعيته لا يعرف هذرا ولا نفاقا ولا يعرف ربا غيره سبحانه فكلما مسته حاجة فإنه يسأله حقيقة ولا يسأله الا من ربه فجميع ادعيته مستجابة وسؤالاته مؤتاة وحاجاته مقضية.
وقد ظهر مما تقدم إن من في قوله من كل ما سألتموه ابتدائية تفيد إن الذي يؤتيه الله مأخوذ مما سألوه سواء كان جميع ما سألوه كما في بعض الموارد أو بعضه كما في بعضها الاخر ولو كانت من تبعيضية لأفادت انه تعالى يؤتى في كل سؤال بعض المسئول والواقع خلافه كما أنه لو قيل وآتاكم كل ما سألتموه أفاد إيتاء الجميع وليس كذلك ولو قيل مما سألتموه أفاد ان من الجائز ان لا يستجاب بعض الأدعية ويرد بعض الأسئلة من أصله والآية وهى في مقام الامتنان تأبى ذلك.
فبالجملة معنى الآية ان الله تعالى اعطى النوع الانساني ما سأله فما من حاجة من حوائجه الا رفع كلها أو بعضها حسب ما تقتضيه حكمته البالغة.
وربما قيل إن تقدير الكلام وآتاكم من كل ما سألتموه وما لم تسألوه وهو مبنى على كون المراد بالسؤال هو السؤال اللفظي وقد تقدم خلافه وسياق الآية لا يساعد عليه.
وقوله وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها قال الراغب الاحصاء التحصيل بالعدد يقال أحصيت كذا وذلك من لفظ الحصا واستعمال ذلك فيه من حيث إنهم كانوا يعتمدونه بالعد كاعتمادنا فيه على الأصابع انتهى.
وفي الجملة إشارة إلى خروج النعم عن طوق الاحصاء ولازمه كون حوائج الانسان التي رفعها الله بنعمه غير مقدور للانسان احصاءها.
وكيف يمكن احصاء نعمه تعالى وعالم الوجود بجميع اجزائه وما يلحق بها من الأوصاف والأحوال مرتبطة منتظمة نافع بعضها في بعض متوقف بعضها على بعض
(٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 ... » »»
الفهرست