تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ٦٨
فذكر سبحانه اولا نعمته على جمع من عباده المؤمنين وهم بنو إسرائيل من ولد إبراهيم ثم ذكر ثانيا نعمته على جمع آخر منهم وهم بنو إسماعيل من ولد إبراهيم وهى التي يتضمنها دعاء إبراهيم عليه السلام رب اجعل هذا البلد آمنا إلى آخر دعائه وفيها نعمة توفيقه تعالى لهم ان يجتنبوا عبادة الأصنام ونعمة الامن بمكة وميل الأفئدة إلى أهله ورزقهم من الثمرات وغير ذلك كل ذلك لان الله سبحانه هو العزيز الحميد.
قوله تعالى: " وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا أي واذكر إذ قال إبراهيم والإشارة إلى مكة شرفها الله تعالى.
وقد حكى الله سبحانه نظير هذا الدعاء على اختصار فيه عن إبراهيم عليه السلام في موضع آخر بقوله: " وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم اضطره إلى عذاب النار وبئس المصير " البقرة: 126.
ومن الممكن ان يستفاد من اختلاف المحكيين في التعبير أعني قوله اجعل هذا بلدا آمنا وقوله اجعل هذا البلد آمنا انهما دعاءان دعا عليه السلام بهما في زمانين مختلفين وانه بعد ما أسكن إسماعيل وامه ارض مكة ورجع إلى ارض فلسطين ثم عاد إليهما وجد من اقبال جرهم إلى مجاورتهما مكانا ما سر بذلك فدعا عند ذلك مشيرا إلى مكانهم رب اجعل هذا بلدا آمنا فسأل ربه أن يجعل المكان بلدا ولم يكن به وأن يرزق أهله المؤمنين من الثمرات ثم لما عاد إليهم بعد ذلك بزمان وحد المكان بلدا فسأل ربه ان يجعل البلد آمنا.
ومما يؤيد كونهما دعاءين ما فيهما من الاختلاف من غير هذه الجهة ففي آية البقرة الدعاء لأهل البلد بالرزق من الثمرات وفي الآيات المبحوث عنها الدعاء بذلك لذريته خاصة مع أمور أخرى دعا بها لهم.
وعلى هذا يكون هذا الدعاء المحكى عن إبراهيم عليه السلام في هذه الآيات آخر ما اورده الله تعالى في كتابه من كلام إبراهيم عليه السلام ودعائه وقد دعا به بعد ما أسكن إسماعيل وامه بها وجاورتهما قبيلة جرهم وبنى البيت الحرام وبنيت بلدة مكة بأيدي القاطنين هناك كما تدل عليه فقرات الآيات.
(٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 ... » »»
الفهرست