تعالى وتفيد الآية حينئذ ان سلطانه على طائفتين المشركين والذين يتولونه من الموحدين هذا ولزوم اختلاف الضمائر يدفعه.
قوله تعالى: " وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا انما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون " إشارة إلى النسخ وحكمته وجواب عما اتهموه صلى الله عليه وآله وسلم به من الافتراء على الله والظاهر من سياق الآيات ان القائلين هم المشركون وان كانت اليهود هم المتصلبين في نفى النسخ ومن المحتمل ان تكون الكلمة مما تلقفه المشركون من اليهود فكثيرا ما كانوا يراجعونهم في أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وقوله: " وإذا بدلنا آية مكان آية " قال في المفردات الابدال والتبديل والتبدل والاستبدال جعل شئ مكان آخر وهو أعم من العوض فان العوض هو ان يصير لك الثاني باعطاء الأول والتبديل قد يقال للتغيير مطلقا وان لم يأت ببدله قال تعالى:
" فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم " إلى أن قال وقال تعالى: " فمن بدله بعد ما سمعه " وإذا بدلنا آية مكان آية و " بدلناهم بجنتيهم جنتين " " ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة " انتهى موضع الحاجة.
فالتبديل بمعنى التغيير يخالف التبديل بمعناه المعروف في أن مفعوله الأول هو المأخوذ والمطلوب بخلافه بالمعنى المعروف فمعنى قوله وإذا بدلنا آية مكان آية معناه وضعنا الآية الثانية مكان الأولى بالتغيير فكانت الثانية المبدلة هي الباقية المطلوبة.
وقوله: " والله أعلم بما ينزل " كناية عن أن الحق لم يتعد مورده وان الذين أنزله هو الحقيق بان ينزل فان الله اعلم به منهم والجملة حالية.
وقوله قالوا انما أنت مفتر القول للمشركين يخاطبون النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويتهمونه بأنه يفترى على الله الكذب فان تبديل قول مكان قول والثبات على رأي ثم العدول عنه مما يتنزه عنه ساحة رب العزة.
وقد بالغوا في قولهم إذ لم يقولوا افتريت في هذا التبديل والنسخ بل قالوا انما أنت مفتر فقصروه صلى الله عليه وآله وسلم في الافتراء واتوا بالجملة الاسمية وسموه مفتريا وقد بنوا ذلك على أن ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم من سنخ واحد وهو يسند الجميع إلى ربه ويقول انما انا نذير فإذا كان مفتريا في واحد كان مفتريا في الجميع فليس الا مفتريا.