تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ٣٤٦
وقوله: " بل أكثرهم لا يعلمون " أي أكثر هؤلاء المشركين الذين يتهمونك بقولهم انما أنت مفتر لا يعلمون حقيقة هذا التبديل والحكمة المؤدية إليه على ما سينكشف في الجواب ان الأحكام الإلهية تابعة لمصالح العباد ومن المصالح ما يتغير بتغير الأوضاع والأحوال والأزمنة فمن الواجب ان يتغير الحكم بتغير مصلحته فينسخ الحكم الذي ارتفعت مصلحته الموجبة له بحكم آخر حدثت مصلحته.
فأكثر هؤلاء غافلون عن هذا الامر واما الأقل منهم فهم واقفون على حقيقة الامر ولو اجمالا غير أنهم مستكبرون على الحق معاندون له وانما يلقون القول القاء من غير رعاية جانب الحق.
قوله تعالى: " قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين " قد تقدمت في أول السورة إشارة إلى معنى الروح والقدس الطهارة والنزاهة والظاهر أن الإضافة للاختصاص أي روح طاهرة عن قذارات المادة نزيهة عن الخطأ والغلط والضلال وهو المسمى في موضع آخر من كلامه تعالى بالروح الأمين وفي موضع آخر بجبريل من الملائكة قال تعالى: " نزل به الروح الأمين على قلبك " الشعراء: 194 وقال: " من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك " البقرة: 97.
فقوله قل نزله روح القدس من ربك أمر بالجواب والأسبق إلى الذهن ان يكون الضمير راجعا إلى القرآن من جهة كونه ناسخا أي الآية الناسخة ويمكن ان يكون راجعا إلى مطلق القرآن وفي التعبير بالتنزيل دون الانزال إشارة إلى التدريج.
وكان من طبع الكلام ان يقال من ربى لكن عدل عنه إلى قوله من ربك للدلالة على كمال العناية والرحمة في حقه صلى الله عليه وآله وسلم كأنه لا يرضى بانقطاع خطابه فيغتنم الفرصة لتكليمه أينما أمكن وليدل على أن المراد بالقول المأمور به اخبارهم بذلك لا مجرد التلفظ بهذه الألفاظ فافهم.
وقوله: " ليثبت الذين آمنوا " التثبيت تحكيم الثبات وتأكيده بالقاء الثبات بعد الثبات عليهم كأنهم بأصل ايمانهم بالله ورسوله واليوم الآخر ثبتوا على الحق وبتجدد الحكم حسب تجدد المصلحة يؤتون ثباتا على ثبات من غير أن يضعف ثباتهم الأول بالمضي
(٣٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 341 342 343 344 345 346 347 348 349 350 351 ... » »»
الفهرست