فكان من الأنسب ان يسند هذه التكاليف إلى مقام الجلالة ويقال بالالتفات من التكلم مع الغير إلى الغيبة ان الله يأمر بالعدل والاحسان الخ ولذلك استمر السياق على هذا النسق في التكاليف التالية أيضا فقيل: " وأوفوا بعهد الله " الخ انما يبلوكم الله الخ ولو شاء الله الخ ولا تشتروا بعهد الله الخ وما عند الله باق.
ثم رجع إلى السياق السابق وهو التكلم مع الغير فقال: " ولنجزين الذين صبروا " وجرى على ذلك حتى إذا بلغ قوله فإذا قرأت القرآن وهو حكم التفت ثانيا فقال فاستعذ بالله وأحسن ما يجلى المعنى الذي ذكرناه قوله تعالى بعده وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل حيث جمع بين الامرين فأسند تبديل آية مكان آية إلى ضمير التكلم والأعلمية إلى الله عز اسمه.
قوله تعالى: " من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة " إلى آخر الآية. وعد جميل للمؤمنين ان عملوا عملا صالحا وبشرى للإناث ان الله لا يفرق بينهن وبين الذكور في قبول ايمانهن ولا اثر عملهن الصالح الذي هو الاحياء بحياة طيبة والاجر بأحسن العمل على الرغم مما بنى عليه أكثر الوثنية وأهل الكتاب من اليهود والنصارى من حرمان المرأة من كل مزية دينية أو جلها وحط مرتبتها من مرتبة الرجل ووضعها وضعا لا يقبل الرفع البتة.
فقوله من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن حكم كلى من قبيل ضرب القاعدة لمن عمل صالحا أي من كان وقد قيده بكونه مؤمنا وهو في معنى الاشتراط فان العمل ممن ليس مؤمنا حابط لا يترتب عليه اثر كما قال تعالى: " ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله " المائدة: 5 وقال: " وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون " هود: 16.
وقوله فلنحيينه حياة طيبة الاحياء القاء الحياة في الشئ وافاضتها عليه فالجملة بلفظها دالة على أن الله سبحانه يكرم المؤمن الذي يعمل صالحا بحياة جديدة غير ما يشاركه سائر الناس من الحياة العامة وليس المراد به تغيير صفة الحياة فيه وتبديل الخبيثة من الطيبة مع بقاء أصل الحياة على ما كانت عليه ولو كان كذلك