تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ٣٥٦
فقوله ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا وعد جميل للمهاجرين من بعد ما فتنوا بالمغفرة والرحمة يوم القيامة قبال ما اوعد غيرهم بالخسران التام يومئذ وقد قيد ذلك بالجهاد والصبر بعد المهاجرة وقوله ان ربك من بعدها لغفور رحيم بمنزلة تلخيص صدر الكلام لطوله ليلحق به ذيله ويفيد فائدة التأكيد كقولنا زيد في الدار زيد في الدار كذا وكذا ويفيد ان لما ذكر من قيود الكلام دخلا في الحكم فالله سبحانه لا يرضى عنهم الا أن يهاجروا ولا عن هجرتهم الا ان يجاهدوا بعدها ويصبروا.
قوله تعالى: " يوم تأتى كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون " اتيان النفس يوم القيامة كناية عن حضورها عند الملك الديان كما قال فإنهم لمحضرون " الصافات - 127 والضمير في قوله عن نفسها للنفس ولا ضير في إضافة النفس إلى ضمير النفس فان النفس ربما يراد بها الشخص الانساني كقوله " من قتل نفسا بغير نفس " المائدة: 22 وربما يراد بها التأكيد ويتحدد معناها بما تقدمها من المؤكد سواء كان انسانا أو غيره كما يقال الانسان نفسه والفرس نفسه والحجر نفسه والسواد نفسه ويقال نفس الانسان ونفس الفرس ونفس الحجر ونفس السواد وقوله عن نفسها المراد فيه بالمضاف المعنى الثاني وبالمضاف إليه المعنى الأول وقد دفع التعبير بالضمير بشاعة تكرار اللفظ بالإضافة وفي هذا المقدار كفاية عن الأبحاث الطويلة التي اوردها المفسرون.
وقوله يوم تأتى كل نفس تجادل عن نفسها الظرف متعلق بقوله في الآية السابقة لغفور رحيم ومجادلة النفس عن نفسها دفاعها عن نفسها وقد نسيت كل شئ وراء نفسها على خلاف ما كانت عليه في الدنيا من التعلق بكل شئ دون نفسها بنسيانها وليس ذلك الا لظهور حقيقة الامر عليها وهى ان الانسان لا سبيل له إلى ما وراء نفسه وليس له في الحقيقة الا ان يشتغل بنفسه.
فاليوم تأتى النفس وتحضر للحساب وهى تجادل وتصر على الدفاع عن نفسها بما تقدر عليه من الاعذار.
وقوله وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون التوفية اعطاء الحق تاما
(٣٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 351 352 353 354 355 356 357 358 359 360 361 ... » »»
الفهرست