قوله تعالى: " وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها " الخ قال في المفردات العهد حفظ الشئ ومراعاته حالا بعد حال وسمى الموثق الذي يلزم مراعاته عهدا قال وعهد فلان إلى فلان يعهد أي القى إليه العهد وأوصاه بحفظه انتهى.
وظاهر إضافة العهد إلى الله تعالى في قوله وأوفوا بعهد الله ان المراد به هو العهد الذي يعاهد فيه الله على كذا دون مطلق العهد ويأتي نظير الكلام في نقض اليمين.
وقوله ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها نقض اليمين نكثه ومخالفة مقتضاه والمراد باليمين هو اليمين بالحلف بالله سبحانه كأن ما عدا ذلك ليس بيمين والدليل عليه قوله بعد وقد جعلتم الله عليكم كفيلا.
والمراد بتوكيدها احكامها بالقصد والعزم وكونها لأمر راجح بخلاف قولهم لا والله وبلى والله وغيره من لغو الايمان فالتوكيد في هذه الآية يفيد ما يفيده التعقيد في قوله تعالى: " لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان " المائدة: 89.
ونقض اليمين بحسب الاعتبار اشنع من نقض العهد وان كان منهيا عنهما جميعا على إن العناية بالحلف في الشرع الاسلامي أكثر كما في باب القضاء.
وتوضيح شناعة نقضه إن حقيقة معنى اليمين ايجاد ربط خاص بين النسبة الكلامية من خبر أو انشاء وبين أمر ذي بال شريف بحيث يستوجب بطلان النسبة من جهة ظهور كذبه ان كان خبرا ومخالفة مقتضاه ان كان عزما أو أمرا أو نهيا كقولنا والله لأفعلن كذا وبالله عليك افعل أو لا تفعل كذا أن يذهب بذلك ما يعتقده المقسم من الكرامة والعزة للمقسم به فيؤول الامر إلى إن المقسم به بما له من الكرامة والعزة هو المسئول عن صحة النسبة الكلامية والمقسم هو المسئول عند المقسم به بما علق صحة النسبة على كرامته وعزته كمن يعقد عقدا أو يتعهد عملا ثم يعطى لمن عاقده أو تعهد له موثقا يثق به من مال أو ولد أو غير ذلك أو يضمن له ذلك شريف بشرافته.
وبهذا يظهر معنى قوله تعالى: " وقد جعلتم الله عليكم كفيلا " فان الحالف إذا قال والله لأفعلن كذا أو لا تركن كذا فقد علق ما حلف عليه نوعا من التعليق