تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ٣١٢
وقوله: " والله أخرجكم من بطون أمهاتكم " إشارة إلى التولد ولا تعلمون شيئا حال من ضمير الخطاب أي أخرجكم من ارحامهن بالتولد والحال ان نفوسكم خالية من هذه المعلومات التي أحرزتموها من طريق الحس والخيال والعقل بعد ذلك.
والآية تؤيد ما ذهب إليه علماء النفس ان لوح النفس خالية عن المعلومات أول تكونها ثم تنتقش فيها شيئا فشيئا كما قيل وهذا في غير علم النفس بذاتها فلا يطلق عليه عرفا يعلم شيئا والدليل عليه قوله تعالى في خلال الآيات السابقة فيمن يرد إلى ارذل العمر لكي لا يعلم من بعد علم شيئا فان من الضروري انه في تلك الحال عالم بنفسه.
واحتج بعضهم بعموم الآية على أن العلم الحضوري يعنى به علم الانسان بنفسه كسائر العلوم الحصولية مفقود في بادئ الحال حادث بعد ذلك ثم ناقش في أدلة كون علم النفس بذاتها حضوريا مناقشات عجيبة.
وفيه ان العموم منصرف إلى العلم الحصولي ويشهد بذلك الآية المتقدمة.
وقوله: " وجعل لكم السمع والابصار والأفئدة لعلكم تشكرون " إشارة إلى مبادى العلم الذي أنعم بها على الانسان فمبدأ التصور هو الحس والعمدة فيه السمع والبصر وان كان هناك غيرهما من اللمس والذوق والشم ومبدأ الفكر هو الفؤاد.
قوله تعالى: " ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله " الخ قال في المجمع الجو الهواء البعيد من الأرض انتهى يقول ألم ينظروا إلى الطير حال كونها مسخرات لله سبحانه في جو السماء والهواء البعيد من الأرض ثم استأنف فقال مشيرا إلى ما هو نتيجة هذا النظر ما يمسكهن الا الله.
واثبات الامساك لله سبحانه ونفيه عن غيره مع وجود أسباب طبيعية هناك مؤثرة في ذلك وكلامه تعالى يصدق ناموس العلية والمعلولية انما هو من جهة ان توقف الطير في الجو من دون ان تسقط كيفما كان وإلى أي سبب استند هو وسببه والرابطة التي بينهما جميعا مستندة إلى صنعه تعالى فهو الذي يفيض الوجود عليه وعلى سببه وعلى الرابطة التي بينهما فهو السبب المفيض لوجوده حقيقة وان كان سببه الطبيعي القريب معه يتوقف هو عليه.
ومعنى توقفه في وجوده على سببه ليس إن سببه يفيد وجوده بعد ما استفاد
(٣١٢)
مفاتيح البحث: الوقوف (1)، السب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 307 308 309 310 311 312 313 314 315 316 317 ... » »»
الفهرست