قصر قلب لا قصر افراد كما يفيده كلامهم فان الوثنيين لا يعبدون الله وآلهتهم غير الله وانما يعبدون آلهتهم فحسب معتذرين بان الله سبحانه لا يحيط به علم ولا يناله فهم فلا يمكن التوجه إليه بالعبادة فمن الواجب ان يعبد الكرام أو الأقوياء من خلقه كالملائكة والكاملين من البشر والجن فهم المدبرون لأمر العالم ينال بالعبادة خيرهم ويتقى بها شرهم وهذا معنى التقرب إلى الله بشفاعتهم.
والظاهر أن الامر بالرهبة كناية عن الامر بالعبادة وانما اختصت الرهبة بالذكر ليوافق ما تقدم في حديث سجدة الكل التي هي الأصل في تشريع العبادة من خوف الملائكة وعلى هذا فالظاهر أن المراد بالرهبة ما هي رهبة اجلال ومهابة لا ما هي رهبة مؤاخذة وعذاب فافهم ذلك.
قوله تعالى: " وله ما في السماوات والأرض وله الدين واصبا أفغير الله تتقون " قال في المفردات الوصب السقم اللازم وقد وصب فلان فهو وصب وأوصبه كذا فهو يتوصب نحو يتوجع قال تعالى ولهم عذاب واصب وله الدين واصبا فتوعد لمن اتخذ الهين وتنبيه ان جزاء من فعل ذلك عذاب لازم شديد.
ويكون الدين ههنا الطاعة ومعنى الواصب الدائم أي حق الانسان ان يطيعه دائما في جميع أحواله كما وصف به الملائكة حيث قال لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ويقال وصب وصوبا دام ووصب الدين وجب ومفازة واصبة بعيدة لا غاية لها انتهى.
والآية وما بعدها تحتج على وحدانيته تعالى في الألوهية بمعنى المعبودية بالحق وان الدين له وحده ليس لأحد ان يشرع من ذلك شيئا ولا ان يطاع فيما شرع فالآية وما بعدها في مقام التعليل لقوله وقال الله لا تتخذوا الهين اثنين إلى آخر الآية واحتجاج على مضمونها وعود بعد عود إلى ما تقدم بيانه من التوحيد والنبوة اللذين ينكرهما المشركون.
فقوله وله ما في السماوات والأرض احتجاج على توحده تعالى في الربوبية فان ما في السماوات والأرض من شئ فهو مملوك له بحقيقة معنى الملك إذ ما في العالم المشهود من شئ فهو بما له من الصفات والافعال قائم به تعالى موجود بايجاده