تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ٢٧٣
قوله تعالى: " ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون شروع في ذمهم وتوبيخهم وينتهى إلى ايعادهم وحق لهم ذلك لان الذي يستدعيه كشف الضر عن استغاثتهم ورجوعهم الفطري إلى ربهم ان يوحدوه بالربوبية بعد ما انكشفت لهم الحقيقة باندفاع البلية ونزول الرحمة لكن فريقا منهم تفاجئهم الشقوة فيعودون إلى التغلق بالأسباب فينتبه عندئذ الراقد من رذائل ملكاتهم فيثير لهم الأهواء ويشركون بربهم غيره ومنه الأسباب التي يتعلقون بها ومعنى الآية ظاهر.
قوله تعالى: " ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون اللام للغاية أي انهم انما يشركون بربهم ليكفروا بما أعطيناهم من النعمة بكشف الضر عنهم ولا يشكروه.
وجعل الكفر بالنعمة غاية للشرك انما هو بدعوى انهم لا غاية لهم في مسير حياتهم الا الكفر بنعمة الله وعدم شكره على ما أولى فان اشتغالهم بالحس والمادة أورثهم في قلوبهم ملكة التعلق بالأسباب الظاهرة واسناد النعم الإلهية إليها وضربهم إياها حجابا ثخينا على عرفان الفطرة فأنساهم ذلك توحيد ربهم في ربوبيته فصاروا يذكرون عند كل نعمة أسبابها الظاهرة دون الله ويتعلقون بها ويخشون انقطاعها ويخضعون لها دون الله فكأنهم بل إنهم لا غاية لهم الا كفر نعمة الله وعدم شكرها.
فالكفر بالله سبحانه هو غايتهم العامة في كل شأن أبدوه وكل عمل اتوا به فإذا أشركوا بربهم بعد كشف الضر بالخضوع لسائر الأسباب فإنما أشركوا ليكفروا بما آتاهم من النعمة.
ولما كان كفرانهم هذا وهو كفر دائم يصرون عليه واستكبار على الله وقد قال تعالى: " لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم ان عذابي لشديد " إبراهيم: 7 أثار ذكر ذلك الغضب الإلهي فعدل عن خطاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهم على نعت الغيبة إلى خطابهم وايعادهم من غير توسيط فقال فتمتعوا فسوف تعلمون.
ولم يذكر ما يتمتعون به ليفيد بالاطلاق ان كل ما تمتعوا به سيؤاخذون عليه ولا ينفعهم شئ منه ولم يذكر ما يعلمونه وهو لا محالة أمر يسوؤهم ليكونوا على جهل منه حتى يحل بهم مفاجأة ويبدو لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون وفيه
(٢٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 ... » »»
الفهرست