تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ٢٧٢
بضم الجيم صوت الوحوش استعير لرفع الصوت بالدعاء والتضرع والاستغاثة تشبيها له به.
وقوله: " وما بكم من نعمة فمن الله " الكلام مسوق للعموم وليس مجرد دعوى غير مستدل فقد بين ذلك في الآيات السابقة على أن السامعين يسلمون ذلك ويقولون به ويدل عليه جؤارهم واستغاثتهم إليه عند مسيس الضر بفقدان نعمة من النعم.
فالمعنى ان جميع النعم التي عندكم من انعامه تعالى عليكم وأنتم تعلمون ذلك ثم إذا حل بكم شئ من الضر وسوء حال يسير رفعتم أصواتكم بالتضرع وجأرتم إليه لا إلى غيره ولو كان لغيره صنيعة عندكم لتوجهتم إليه فهو سبحانه منعم النعمة وكاشف الضر فما بالكم لا تخصونه بالعبادة ولا تطيعونه.
والاستغاثة به تعالى والتضرع إليه عند حلول المصائب وهجوم الشدائد التي ينقطع عندها الرجاء عن الأسباب الظاهرية ضرورية لا يرتاب فيها فان الانسان ولو لم ينتحل إلى دين ولم يؤمن بالله سبحانه فإنه لا ينقطع رجاؤه عند الشدائد إذا رجع إلى ما يجده من نفسه ولا رجاء إلا وهناك مرجو منه فمن الضروري ان تحقق ما لا يخلو من معنى التعلق كالحب والبغض والإرادة والكراهة والجذب ونظائرها في الخارج لا يمكن إلا مع تحقق طرف تعلقها في الخارج فلو لم يكن في الخارج مراد لم تتحقق إرادة من مريد ولو لم يكن هناك مطلوب لم يكن طلب ولو لم يكن جاذب يجذب لم يتصور مجذوب ينجذب وهذا حال جميع المعاني الموجودة التي لا تخلو كينونتها عن نسبة.
فتعلق الرجاء من الانسان بالتخلص من البلية عند انقطاع الأسباب دليل على أنه يرى أن هناك سببا فوق هذه الأسباب المنقطع عنها لا تعجزه عظائم الحوادث وداهمات الرزايا ولا ينقطع عنه الانسان ولا يزول ولا يفنى ولا يسهو ولا ينسى قط.
هذا شئ يجده الانسان من نفسه وتقضى به فطرته وان الهاه عنه الاشتغال بالأسباب الظاهرة وجذبته إلى نفسها أمتعة الحياة وزخارف المادة المحسوسة لكنه إذا أحاطت به البلية واعيته الحيلة وسدت عليه طرق النجاة وانهزمت الأسباب الظاهرة عن آخرها وطارت الموانع عن نظره ولم يبق هناك مله يلهيه ولا شاغل يشغله ظهر له ما أخفته الأسباب وعاين ما كان على غفلة منه فتعلقت نفسه به وهو السبب الذي فوق كل سبب وهو الله عز اسمه.
(٢٧٢)
مفاتيح البحث: السب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 ... » »»
الفهرست