تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ٢٦٥
النسك الوجودي والعبادة التكوينية.
وهذا من أوضح الدليل على أن في العالم الها معبودا واحدا هو الله سبحانه وان من حقه ان يسجد له ويخضع لامره وهذا هو التوحيد والنبوة اللذان ينكرونهما فهل التوحيد إلا الاذعان بكون سبحانه هو الاله الذي يجب الخضوع له والتوجه بالذلة والصغار إليه؟ وهل الدين الذي تتضمنه دعوة الأنبياء والرسل الا الخضوع لله سبحانه والانقياد لامره فيما أراد؟ فما بالهم ينكرون ذلك؟ وهم يرون ويعلمون ان ما على الأرض من أظلال الأجسام الكثيفة يسجد له وما في السماوات والأرض من الملائكة و الذوات ساجدة له منقادة لامره حتى أرباب أصنامهم الذين يتخذونهم آلهة دون الله فإنهم اما من الملائكة واما من الجن واما من كملي البشر وهم جميعا داخرون له منقادون لامره.
فمعنى الآية والله أعلم أو لم يروا هؤلاء المشركون المنكرون لتوحيد الربوبية ولدعوة النبوة أو لم ينظروا إلى ما خلق الله من شئ من هذه الأجسام القائمة على بسيط الأرض من جبل أو بناء أو شجر أو أي جسم منتصب يتفيؤ ويرجع ويدور ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله واقعة على الأرض تذللا وتعبدا له سبحانه وهم داخرون خاضعون صاغرون.
وقد تقدم الكلام في معنى سجدة الظلال ذيل قوله تعالى: " وظلالهم بالغدو والآصال " الرعد: 15 في الجزء الحادي عشر من الكتاب.
قوله تعالى: " ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة " إلى آخر الآيتين ذكرت الآية السابقة سجود الظلال وهو معنى مشهود فيها يمثل معنى السجود لله وتذكر هذه الآية سجود ما في السماوات والأرض من دابة و الدابة ما يدب ويتحرك بالانتقال من مكان إلى مكان بحقيقة السجود التي هي نهاية التذلل والتواضع قبال العظمة والكبرياء فان صورة السجدة التي هي خرور الانسان ووقوعه على وجهه على الأرض انما تعد عبادة إذا أريد بها تمثيل هذا المعنى فحقيقة السجدة هي التذلل المذكور ويدخل في عموم الدابة الانسان وكذا الجن لأنه سبحانه يصفهم في كلامه بما يفيد
(٢٦٥)
مفاتيح البحث: السجود (8)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 260 261 262 263 264 265 266 267 268 269 270 ... » »»
الفهرست