مخافتهم وليس هذا إلا الخوف من مقامه تعالى لا من عذابه فهو خوف ذاتي ويرجع إلى نفى الاستكبار عن ذواتهم.
واما قوله ويفعلون ما يؤمرون فإشارة إلى عدم استكبارهم في مقام الفعل وقد تقدم انه إذا لم يستكبر عليه تعالى في ذات لم يستكبر عليه في فعل فهم لا يعصون الله سبحانه في أمر بل يفعلون ما يؤمرون وفي اتيان قوله يؤمرون مبنيا للمجهول من التعظيم والتفخيم لمقامه سبحانه ما لا يخفى.
فتبين ان الملائكة نوع من خلق الله تعالى لا تأخذهم غفلة عن مقام ربهم ولا يطرأ عليهم ذهول ولا سهو ولا نسيان عن ذلك ولا يشغلهم عنه شاغل وهم لا يريدون الا ما يريده الله سبحانه.
وانما خص سبحانه الملائكة من بين الساجدين المذكورين في الآية بذكر شأنهم وتعريف أوصافهم وتفصيل عبوديتهم لان أكثر آلهة الوثنيين من الملائكة كإله السماء واله الأرض واله الرزق واله الجمال وغيرهم وللدلالة على أنهم بالرغم من زعم الوثنيين أمعن خلق الله تعالى في عبوديته وعبادته.
ومن عجيب الاستدلال ما استدل به بعضهم بالآية على أن الملائكة مكلفون مدارون بين الخوف والرجاء كمثلنا اما دلالتها على التكليف فلمكان الامر واما ادارتهم بين الخوف والرجاء فلان الآية ذكرت خوفهم والخوف يستلزم الرجاء.
وهو ظاهر الفساد اما الامر فقد ورد في كلامه تعالى في موارد لا تكليف فيها قطعا كالسماء والأرض وغيرهما قال تعالى: " فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين " حم السجدة: 11 وقال ويوم يقول كن فيكون.
واما استلزام الخوف للرجاء فإنما الملازمة ما بين الخوف من نزول العذاب وإصابة المكروه وبين الرجاء وقد تقدم ان الذي في الآية انما هو خوف مهابة واجلال بمعنى تأثر الضعيف من القوى وانكسار الصغير الحقير قبال العظيم الكبير الظاهر عليه بعظمته وكبريائه ولا مقابلة بين الخوف بهذا المعنى وبين الرجاء.
وقد استدل بالآية أيضا على أن الملائكة أفضل من البشر وفيه ان من الممكن استظهار أفضليتهم من عصاة البشر وكفارهم ممن يفقد الصفات المذكورة لكونها