وظاهر باظهاره لا يسعه ان ينقطع منه ولا لحظة فالاشياء قائمة به قيام الملك بمالكه مملوكة له ملكا حقيقيا لا يقبل تغييرا ولا انتقالا كما هو خاصة الملك الحقيقي كملك الانسان لسمعه وبصره مثلا.
وإذا كان كذلك كان هو تعالى المدبر لأمر العالم إذ لا معنى لكون العالم مملوكا له بهذا الملك ثم يستقل غيره بتدبير امره والتصرف فيه وينعزل هو تعالى عما خلقه وملكه وإذا كان هو المدبر لامره كان هو الرب له إذ الرب هو المالك المدبر وإذا كان هو الرب كان هو الذي يجب ان يتقى ويخضع له بالعبادة.
وقوله وله الدين واصبا أي دائما لازما وذلك أنه لما كان تعالى هو الرب الذي يملك الأشياء ويدبر أمرها ومن واجب التدبير ان يستن العالم الانساني بسنة يبلغ به الجرى عليها غايته ويهديه إلى سعادته وهذه السنة والطريقة هي التي يسميها القرآن دينا كان من الواجب ان يكون تعالى هو القائم على وضع هذه السنة وتشريع هذه الطريقة فهو تعالى المالك للدين كما قال وله الدين واصبا وعليه أن يشرع ما يصلح به التدبير كما قال فيما مر وعلى الله قصد السبيل الآية.
وقيل المراد بالدين الطاعة وقيل الملك وقيل الجزاء ولكل منها وجه غير خفى على المتأمل والأوجه هو ما قدمناه لأنه أوفق وأنسب بسياق ما يحفها من الآيات السابقة واللاحقة الباحثة عن توحيد الربوبية وتشريع الدين من طريق الوحي والرسالة.
وقوله: " أفغير الله تتقون " استفهام انكاري متفرع على الجملتين جميعا على الظاهر والمعنى وإذا كان كذلك فهل غيره تعالى تتقون وتعبدون؟ وليس يملك شيئا ولا يدبر أمرا حتى يعبد وليس من حقه ان يشرع دينا فيطاع فيما وضعه وشرعه.
قوله تعالى: " وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون " بيان آخر لوحدانيته تعالى في الربوبية يفرع سبحانه عليه ذمهم وتوبيخهم على شركهم بالله وعلى تشريعهم أمورا من عند أنفسهم من غير اذن منه ورضى ويجرى الكلام في هذا المجرى إلى تمام بضع آيات.
والمراد بالضر سوء الحال من جهة فقدان النعمة التي تصلح بها الحال والجؤار