وفيه ان الاستدلال المذكور بالآية انما هو بقوله وما أرسلنا وهذا الفعل كما يتعلق في القرآن بالرسول كذلك يتعلق بالنبي غير الرسول قال تعالى: " وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي " الآية فلو تم الاستدلال المذكور لدل على حرمان الأطفال والنساء عن الرسالة والنبوة جميعا وقد حكى الله عن عيسى عليه السلام قوله: " إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا " مريم: 30 وقال في يحيى عليه السلام: " وآتيناه الحكم صبيا " مريم: 12.
والحق ان الآية وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا انما هي في مقام بيان ان الرسل كانوا رجالا من البشر العادي من غير عناية بكونهم أول ما بعثوا للرسالة افرادا بالغين مبلغ الرجال فالغرض ان نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى ويحيى عليهم السلام وهم رسل كانوا رجالا يوحى إليهم ولم يكونوا اشخاصا مجهزين بقدرة قاهرة غيبية وإرادة الهية تكوينية.
ويقرب من الآية قوله تعالى في موضع آخر: " وما أرسلنا قبلك الا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين " الأنبياء: 8.
وقوله: " فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون الظاهر أنه خطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولقومه وقد كان الخطاب في سابق الكلام للنبي صلى الله عليه وآله وسلم خاصة والمعنى موجه إلى الجميع فهو تعميم الخطاب للجميع ليتخذ كل من المخاطبين سبيله فمن كان لا يعلم ذلك كبعض المشركين راجع أهل الذكر واسألهم ومن كان يعلم ذلك كالنبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين به كان في غنى عن الرجوع والسؤال.
وقيل إن الخطاب في الآية للمشركين فإنهم هم المنكرون فليرجعوا وليسألوا وفيه ان لازم ذلك كون الجملة التفاتا من خطاب الفرد إلى خطاب الجميع ولا نكتة ظاهرة تصحح ذلك والله أعلم.
والذكر حفظ معنى الشئ أو استحضاره ويقال لما به يحفظ أو يستحضر قال الراغب في المفردات الذكر تارة يقال ويراد به هيئة للنفس بها يمكن للانسان ان يحفظ