تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ٢٧٩
بين جميع الممكنات سارية في عامة الخلق والكافر يتصف بها كما يتصف بها غيره فالكافر في معرض الاتصاف بكل مثل سوء منها ما يختص به ومنها ما يشترك بينه وبين غيره كما بين تفصيلا والله سبحانه منزه من أن يتصف بشئ من هذه الصفات التي هي أمثال السوء أما أمثال السوء التي تتحصل من ناحية سيئات الأعمال مما يستقبحه العقل ويذمه ويجمعها الظلم فلانه لا يظلم شيئا قال تعالى: " ولا يظلم ربك أحدا " الكهف: 49 وقال:
" وهو الحكيم العليم " الزخرف: 84 فما قضاه من حكم أو فعله من شئ فهو المتعين في الحكمة لا يصلح بالنظر إلى النظام الجاري في الوجود الا ذاك.
واما أمثال السوء مما يستكرهه الطبع أو يحلله العقل فلا سبيل لها إليه تعالى فإنه عزيز مطلق يمتنع جانبه من أن تسرب إليه ذلة فان له كل القدرة لا يعرضه عجز وله العلم كله فلا يطرأ عليه جهل وله محض الحياة لا يهدده موت ولا فناء منزه عن كل نقص وعدم فلا يتصف بصفات الأجسام مما فيه نقص أو فقد أو قصور أو فتور والآيات في هذه المعاني كثيرة ظاهرة لا حاجة إلى ايرادها.
فهو سبحانه ذو علو ونزاهة من أن يتصف بشئ من أمثال السوء التي يتصف بها غيره ولا هذا المقدار من التنزه والتقدس فحسب بل منزه من أن يتصف بشئ من الأمثال الحسنة والصفات الجميلة الكريمة بمعانيها التي يتصف بها غيره كالحياة والعلم والقدرة والعزة والعظمة والكبرياء وغيرها فان الذي يوجد من هذه الصفات الحسنة الكمالية في الممكنات محدودة متناه مشوب بالفقر والحاجة مخلوط بالفقدان والنقيصة لكن الذي له سبحانه من الصفات محض الكمال وحقيقته غير محدودة ولا متناه ولا مشوب بنقص وعدم فله حياة لا يهددها موت وقدرة لا يعتريها عى وعجز وعلم لا يقارنه جهل وعزة ليس معها ذلة.
فله المثل الاعلى والصفة الحسنى قال تعالى: " وله المثل الاعلى في السماوات والأرض " الروم: 27 وقال: " له الأسماء الحسنى " طه: 8 فالأمثال منها دانية ومنها عالية والعالية منها اعلى ومنها غيره والأعلى مثله تعالى والأسماء سيئة وحسنة والحسنة منها أحسن وغيره ولله منها ما هو أحسن فافهم ذلك.
(٢٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 274 275 276 277 278 279 280 281 282 283 284 ... » »»
الفهرست