تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ٢٦٤
مهلة وفرصة يتنبه فيها من تنبه فيأخذ بالحذر بتوبة أو غيرها.
والكلام في تعداد أنواع العذاب المذكورة ليس مسوقا للحصر كما نبه به بعضهم بل احصاء لأنواع منه.
قوله تعالى: " أو لم يروا إلى ما خلق الله من شئ يتفيؤ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون " المراد بالرؤية الرؤية البصرية والنظر الحسى إلى الأشياء الجسمانية لان المطلوب الفات النظر إلى الأجسام ذوات الاظلال.
والتفيؤ من الفئ وهو الظل راجعا ولذا قيل إن الظل هو ما في أول النهار إلى زوال الشمس والفئ هو ما يكون بعد زوال الشمس إلى آخر النهار والظاهر أن الظل أعم من الفئ كما تقدم وتؤيده الآية فالتفيؤ رجوع الظل بعد زواله.
والشمائل جمع شمأل وهو خلاف اليمين وجمعه باعتبار اخذ كل سمت مفروض خلف الشئ وعن يساره جهة شمال على حده فهى شمائل تقابل اليمين كما أن عد كل شئ ذا اظلال بهذه العناية اخذا للظل بالنسبة إلى كل جهة من اليمين والشمائل ظلا غيره بالنسبة إلى جهة أخرى لا لان الشئ المذكور جمع بحسب المعنى وان كان مفردا بحسب اللفظ والدخور هو الخضوع والصغار.
وكون المراد بالرؤية الرؤية البصرية قرينة على أن المراد بما خلق الله من شئ ومن شئ بيان لما خلق الله هو الأشياء المرئية وما تعقبه من حديث تفيؤ الظلال يحصرها في الأجسام الكثيفة التي لها ظلال كالجبال والأشجار والأبنية والأجسام القائمة على الأرض فلا يرد ان ما خلق الله وخاصة بعد بيانه بالشئ لا يلازمه الظل كالاجرام العلوية المضيئة والأجسام الشفافة واعراض الأجسام.
ولدفع هذا الاشكال جعل بعضهم قوله يتفيؤ ظلاله الخ وصفا لشئ حتى يخص البيان بالأشياء المخلوقة التي لها أفياء وأظلال ولا يخلو من وجه.
والآية تهدى المشركين وهم منكرون للتوحيد والنبوة إلى النظر في حال الأجسام التي لها أظلال تدور عن يمينها وعن شمائلها فإنها تمثل سجودها لله وخضوعها له وصغارها قبال عظمته وكبريائه وكذا سجود ما في السماوات والأرض من دابة والملائكة.
فهى جميعا ساجدة لله وحده لانقيادها الذاتي لامره ممثلة للخضوع والصغار بهذا
(٢٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 259 260 261 262 263 264 265 266 267 268 269 ... » »»
الفهرست