تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ٢٦٢
واما قوله تعالى: " فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون " فقد تقدم انه ارشاد إلى حكم العقلاء بوجوب رجوع الجاهل إلى العالم من غير اختصاص الحكم بطائفة دون طائفة.
هذا كله في نفس بيانهم المتلقى بالمشافهة واما الخبر الحاكي له فما كان منه بيانا متواترا أو محفوفا بقرينة قطعية وما يلحق به فهو حجة لكونه بيانهم واما ما كان مخالفا للكتاب أو غير مخالف لكنه ليس بمتواتر ولا محفوفا بالقرينة فلا حجية فيه لعدم كونه بيانا في الأول وعدم احراز البيانية في الثاني وللتفصيل محل آخر.
قوله تعالى: " أفأمن الذين مكروا السيئات ان يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون " هذه الآية والآيتان بعدها انذار وتهديد للمشركين وهم الذين يعبدون غير الله سبحانه ويشرعون لأنفسهم سننا يستنون بها في الحياة فما يعملون من الأعمال مستقلين فيها بأنفسهم معرضين عن شرائع الله النازلة من طريق النبوة استنادا إلى حجج داحضة اختلقوها لأنفسهم كلها سيئات وما يتقلبون فيها مدى حياتهم من حركة أو سكون واخذ أو رد وفعل أو ترك وهم على ما هم عليه من استكبار وغرور كلها ذنوب يقترفونها مكرا بالله ربهم وبرسله الداعين إلى الاخذ بدين الله ولزوم سبيله.
فقوله السيئات مفعول مكروا بتضمينه بمعنى عملوا أي عملوا السيئات ماكرين وما احتمله بعضهم من كون السيئات وصفا سادا مسد المفعول المطلق والتقدير يمكرون المكرات السيئات بعيد من السياق.
وبالجملة الكلام لتهديد المشركين وانذارهم بالعذاب الإلهي ويدخل فيهم مشركوا مكة والكلام متفرع على ما تقدم كما يدل عليه قوله أفأمن بفاء التفريع.
والمعنى والله أعلم فإذا دلت الآيات البينات على أن الله هو ربهم لا شريك له في ربوبيته وان الرسالة ليست بأمر محال بل هي دعوة إلى ما فيه صلاح معاشهم ومعادهم وخير دنياهم وأخراهم من رجال هم أمثالهم يبعثهم الله ويوحى إليهم بما تشتمل عليه الدعوة فهؤلاء الذين يعرضون عن ذلك ويمكرون بالله ورسله بالتشبث بهذه الحجج الواهية لتسوية الطريق إلى ترك دين الله وتشريع ما يوافق أهواءهم ويعملون
(٢٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 267 ... » »»
الفهرست