ما يقتنيه من المعرفة وهو كالحفظ إلا إن الحفظ يقال اعتبارا باحرازه والذكر يقال اعتبارا باستحضاره وتارة يقال لحضور الشئ في القلب أو القول ولذلك قيل الذكر ذكران ذكر بالقلب وذكر باللسان وكل واحد منهما ضربان ذكر عن نسيان وذكر لا عن نسيان بل عن إدامة الحفظ انتهى موضع الحاجة.
والظاهر أن الأصل فيه ما هو للقلب وانما يسمى اللفظ ذكرا اعتبارا بإفادته المعنى والقائه إياه في الذهن وعلى هذا المعنى جرى استعماله في القرآن غير أن مورده فيه ذكر الله تعالى فالذكر إذا اطلق فيه ولم يتقيد بشئ هو ذكره.
وبهذه العناية أيضا سمى القرآن وحى النبوة والكتب المنزلة على الأنبياء ذكرا والآيات في ذلك كثيرة لا حاجة إلى ايرادها في هذا الموضع وقد سمى الله سبحانه في الآية التالية القرآن ذكرا.
فالقرآن الكريم ذكر كما أن كتاب نوح وصحف إبراهيم وتوراة موسى وزبور داود وإنجيل عيسى عليهم السلام وهى الكتب السماوية المذكورة في القرآن كلها ذكر وأهلها المتعاطون لها المؤمنين بها أهل الذكر.
ولما كان أهل الشئ وخاصته اعرف بحاله وابصر باخباره كان على من يريد التبصر في امره ان يرجع إلى أهله وأهل الكتب السماوية القائمون على دراستها وتعلمها والعمل بشرائعها هم أهل الخبرة بها والعالمون باخبار الأنبياء الجائين بها فعلى من أراد الاطلاع على شئ من أمرهم ان يراجعهم ويسألهم.
لكن المشركين المخاطبين بمثل قوله فاسألوا أهل الذكر لما كانوا لا يسلمون للنبي صلى الله عليه وآله وسلم النبوة ولا يصدقونه في دعواه ويستهزؤن بالقرآن ذي الذكر كما يذكره تعالى في قوله: " وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر انك لمجنون " الحجر: 6 لم ينطبق قوله فاسألوا أهل الذكر بحسب المورد الا على أهل التوراة وخاصة من حيث كونهم أعداء للنبي صلى الله عليه وآله وسلم رادين لنبوته وكانت نفوس المشركين طيبة بهم لذلك وقد قالوا في المشركين: " هؤلاء اهدى من الذين آمنوا سبيلا " النساء: 51.
وقال بعضهم المراد باهل الذكر أهل العلم باخبار من مضى من الأمم سواء أكانوا مؤمنين أم كفارا؟ وسمى العلم ذكرا لان العلم بالمدلول يحصل غالبا من