تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ٢٥٥
الخ من الاستعارة بالكناية.
والوجهان متحدان مآلا فإنهم انما كانوا يهاجرون ليعقدوا مجتمعا اسلاميا طيبا لا يعبد فيه الا الله ولا يحكم فيه الا العدل والاحسان أو ليدخلوا في مجتمع هذا شأنه فلو رجعوا في مهاجرهم غاية حسنة أو وعدوا بغاية حسنة كان ذلك هذا المجتمع الصالح ولو حمدوا البلدة التي يهاجرون إليها لكان حمدهم للمجتمع الاسلامي المستقر فيها لا لمائها أو هوائها فالغاية الحسنة التي يعدهم الله في الدنيا هي هذا المجتمع سواء أريد بالحسنة البلدة أو الغاية.
وقوله ولاجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون تتميم للوعد وإشارة إلى أن أجر الآخرة أفضل من هذا الاجر الدنيوي لو كانوا يعلمون ما أعد الله لهم فيها من النعم فان فيها سعادة من غير شقاء وخلودا من غير فناء ولذة غير مشوبة بألم وجوار رب العالمين.
قوله تعالى الذين: " صبروا وعلى ربهم يتوكلون لا يبعد ان يستفاد من سياق الآيتين ان جملة العناية فيهما إلى وعد المهاجرين في الله وعدا حسنا في الدنيا والآخرة من غير نظر إلى الاخبار بتحقق المهاجرة قبل حال الخطاب فيكون الكلام في معنى الاشتراط من يهاجر في الله فله كذا وكذا وتكون العناية في قوله الذين صبروا الخ بتوصيف المهاجرين بالصبر والتوكل من غير نظر إلى ما تحقق منهم من ذلك أيام توقفهم في أوطانهم بين المشركين قبال إذا هم وفتنتهم.
والعناية بالتوصيف انما هي لكون كلتا الصفتين دخيلتين في الغاية الحسنة التي وعدوا بها إذ لو لم يصبروا على مر الجهاد وأظهروا الجزع عند هجوم العظائم ولم يتأيدوا بالتوكل على الله واعتمدوا على أنفسهم الضعيفة احيط بهم ولم يتهيأ لهم المستقر وفرقهم العدو المصر على عداوته بددا وتلاشى المجتمع الصالح الذي أقاموه في مهاجرهم هذا في الدنيا واما أمر الآخرة ففساده بفساد المجتمع أو تلاشيه أوضح.
ولو كان المراد وعد المهاجرين الذين تحقق منهم الهجرة قبل نزول الآية تطييبا لنفوسهم وتسلية لهم عما اخرجوا من ديارهم وأموالهم وقاسوا الفتن والمحن كان قوله الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون مدحا لهم بما ظهر منهم أيام اقامتهم بمكة
(٢٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 250 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 ... » »»
الفهرست