تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ٢٥٦
وغيرها من الصبر في الله على اذى المشركين والتوكل على الله فيما عزموا عليه من الاسلام لله قوله تعالى: " وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون رجوع ثان إلى بيان كيفية ارسال الرسل وانزال الكتب حتى يتضح للمشركين انه لم تكن الدعوة الدينية إلا دعوة عادية من رجال يوحى إليهم من البشر يندبون إلى ما فيه صلاح الناس في دنياهم وعقباهم.
وانه لم يدع أحد من الرسل ولا ادعى في كتاب من كتب الشرائع إن الدعوة الدينية ظهور للقدرة الغيبية القاهرة لكل شئ والإرادة التكوينية لهدم النظام الجاري ونقض سنة الاختيار وابطالها حتى يقول القائل منهم لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شئ الخ.
وعلى هذا فقوله سبحانه: " وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم " مسوق لحصر الرسالة على البشر العادي من رجال يوحى إليهم قبال ما ادعاه المشركون انها لو كانت لكانت نقضا لنظام الطبيعة وابطالا للاختيار والاستطاعة.
وبه يظهر عدم استقامة ما ذكره غير واحد منهم ان الآية مسوقة لرد المشركين من قريش حيث كانوا يزعمون أن البشر لا يصلح للرسالة وانها لو كانت فهى من شأن الملائكة فالآية تخبر ان السنة الإلهية جرت حسب ما اقتضته الحكمة على أن لا يبعث للدعوة الدينية إلا رجالا من البشر يوحى إليهم المعارف والأوامر والنواهي.
وذلك أن سياق الآيات لا يساعد على ذلك ولم يتقدم في الكلام ذكر لقولهم ذلك أو لاقتراحهم بعثة الملائكة للرسالة حتى يوجه الكلام إلى ذلك.
وانما الذي تقدم هو قول المشركين لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شئ الخ وكان مسوقا لاثبات استحالة النبوة لا لكونها من شأن الملائكة.
واستدل بعضهم بالآية على أن الله سبحانه لم يرسل صبيا ولا امرأة واستشكل بنبوة عيسى عليه السلام في المهد وأجيب بأن النبوة أعم من الرسالة والذي أثبته عيسى لنفسه بقوله: " إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا " مريم: 30 هي النبوة دون الرسالة.
(٢٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 ... » »»
الفهرست