تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ٢٥٤
(بيان) الآيتان الأوليان تذكران الهجرة وتعدان المهاجرين في الله وعدا حسنا في الدنيا والآخرة وباقي الآيات تعقب حديث شركهم بالله وتشريعهم بغير اذن الله وهى بحسب المعنى تفصيل القول في الجواب عن عد المشركين الدعوة النبوية إلى ترك عبادة الالهة وتحريم ما لم يحرمه الله أمرا محالا كما أشير إليه في قوله وقال الذين أشركوا الخ.
قوله تعالى: " والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولاجر الآخرة خير لو كانوا يعلمون " وعد جميل للمهاجرين وقد كانت من المؤمنين هجرتان عن مكة إحداهما إلى حبشة هاجرتها عدة من المؤمنين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم باذن من الله ورسوله إليها ولبثوا فيها حينا في امن وراحة من اذى مشركي مكة وعذابهم وفتنتهم.
والثانية هجرتهم من مكة إلى المدينة بعد مهاجره النبي صلى الله عليه وآله وسلم والظاهر أن المراد بالهجرة في الآية هي الهجرة الثانية فسياق الآيتين أكثر ملاءمة لها من الأولى وهو ظاهر.
وقوله في الله متعلق بهاجروا والمراد بكون المهاجرة في الله ان يكون طلب مرضاته محيطا بهم في مهاجرتهم لا يخرجون منه إلى غرض آخر كما يقال سافر في طلب العلم وخرج في طلب المعيشة أي لا غاية له الا طلب العلم ولا بغية له الا طلب المعيشة والسياق يعطى ان قوله من بعد ما ظلموا أيضا مقيد بذلك معنى والتقدير والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا فيه وانما حذف اختصارا وانما اكتفى به قيدا للمهاجرة لأنها محل الابتلاء فتخصيصه بايضاح الحال أولى.
وقوله لنبوئنهم في الدنيا حسنة قيل أي بلدة حسنة بدلا مما تركوه من وطنهم كمكة وحواليها بدليل قوله لنبوئنهم فإنه من بوأت له مكانا أي سويت وأقررته فيه.
وقيل أي حالة حسنة من الفتح والظفر ونحو ذلك فيكون قوله لنبوئنهم
(٢٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 259 ... » »»
الفهرست