تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ٢٤٦
من الله كانت بعثة الأنبياء عبثا فنقول هذا اعتراض على الله وجار مجرى طلب العلة في احكامه وافعاله تعالى وذلك باطل فلا يقال له لم فعلت هذا ولم لم تفعل ذلك؟
قال فثبت ان الله تعالى انما ذم هؤلاء القائلين لانهم اعتقدوا ان كون الامر كذلك يمنع عن جواز بعثة الرسل لا لانهم كذبوا في قولهم ذلك انتهى ملخصا.
وقال الزمخشري ان المشركين فعلوا ما فعلوا من القبيح ثم نسبوه إلى ربهم وقالوا لو شاء الله إلى آخره وهذا مذهب المجبرة بعينه كذلك فعل أسلافهم فهل على الرسل الا ان يبلغوا الحق وان الله لا يشاء الشرك والمعاصي بالبيان والبرهان ويطلعوا على بطلان الشرك وقبحه وبراءة الله من أفعال العباد وانهم فاعلوها بقصدهم وإرادتهم واختيارهم وان الله باعثهم على جميلها وموفقهم له وزاجرهم عن قبيحها وموعدهم عليه انتهى موضع الحاجة وقد أطالوا البحث عن ذلك من الجانبين.
وقد عرفت ان الآيات تروم غرضا وراء ذلك وان مرادهم بقولهم لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شئ الخ ابطال الرسالة بأن ما اتى به الرسل من النهى عن عبادة غير الله وتحريم ما لم يحرمه الله لو كان حقا لكان الله مريدا لتركهم عبادة غيره وتحريم ما لم يحرمه ولو كان مريدا ذلك لم يتحقق منهم وليس كذلك واما إن الإرادة الإلهية تعلقت بفعلهم فوجب أو انها لم تتعلق ومن المحال أن تتعلق وليست أفعالهم إلا مخلوقة لأنفسهم من غير أن يكون لله سبحانه فيها صنع فإنما ذلك أمر خارج عن مدلول كلامهم أجنبي عن الحجة التي أقاموها على ما يستفاد من السياق كما تقدم.
وفي قوله وما لهم من ناصرين دلالة على أن لغيرهم ناصرين كثيرين وذلك أن السياق يدل على أنه ليس لهم ناصر أصلا لا واحد ولا كثير فنفى الناصرين بصيغة الجمع يكشف عن عناية زائدة بذلك أي ان هناك ناصرين لكنهم ليسوا لهم بل لغيرهم وليس الا من يهتدى بهدى الله ونظير الآية ما حكاه الله سبحانه عن المجرمين يوم القيامة: " فما لنا من شافعين " الشعراء: 100.
وهؤلاء الناصرون هم الملائكة الكرام وسائر أسباب التوفيق والهداية والله سبحانه من ورائهم محيط قال تعالى: " إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد " المؤمن: 51.
(٢٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 241 242 243 244 245 246 247 248 249 250 251 ... » »»
الفهرست