ان الخطاب للذين أشركوا القائلين لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شئ والالتفات إلى خطابهم لكونه أشد تأثيرا في تثبيت القول واتمام الحجة.
والكلام متفرع على ما بين جوابا لحجتهم اجمالا وتفصيلا ومحصل المعنى ان الرسالة والدعوة النبوية ليست من الإرادة التكوينية الملجئة إلى ترك عبادة الأصنام وتحريم ما لم يحرمه الله حتى يستدلوا بعدم وجود الالجاء على عدم وجود الرسالة وكذب مدعيها بل هي دعوة عادية بعث الله سبحانه بها رسلا يدعونكم إلى عبادة الله واجتناب الطاغوت وحقيقته الانذار والتبشير ومن الدليل على ذلك آثار الأمم الماضية الظالمة التي تحكى عن نزول العذاب عليهم فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين حتى يتبين لكم ان الدعوة النبوية التي هي انذار حق وان الرسالة ليست كما تزعمون.
قوله تعالى: " إن تحرص على هداهم فان الله لا يهدى من يضل وما لهم من ناصرين لما بين ان الأمم الماضين انقسموا طائفتين وكانت إحدى الطائفتين هم الذين حقت عليهم الضلالة وكانت هؤلاء الذين أشركوا وقالوا ما قالوا كالذين من قبلهم منهم بين في هذه الآية ان ثبوت الضلالة في حقهم انما هو ثبوت لا زوال معه وتحتم لا يقبل التغيير فإنه لا هادي بالحقيقة الا الله فان جاز هداهم كان الله هو هاديهم لكنه لا يهديهم فإنه يضلهم ولا يجتمع الهدى والضلال معا وليس هناك ناصر ينصرهم على الله فيقهره على هداهم فليؤيس منهم.
ففي الآية تعزية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وارشاد له ان لا يحرص في هداهم واعلام له ان القضاء قد مضى في حقهم وما يبدل القول لديه وما هو بظلام للعبيد.
فقوله ان تحرص على هداهم الخ في تقدير ان تحرص على هداهم لم ينفعهم حرصك شيئا فليسوا ممن يمكن له الاهتداء فان الله هو الذي يهدى من اهتدى وهو لا يهديهم فإنه يضلهم ولا يناقض تعالى فعل نفسه وليس لهم ناصرون ينصرونهم عليه.
وفي هذه الآيات الثلاث مشاجرات طويلة بين المجبرة والمفوضة وكل يفسرها بما يقتضيه مذهبه حتى قال الإمام الرازي ان المشركين أرادوا بقولهم لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شئ الخ انه لما كان الكل من التوحيد والشرك والهدى والضلال