تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ٢٤٤
ولم يقل سبحانه فمنهم من هدى الله ومنهم من أضله مع كون ضلالهم ضلال مجازاة لا مانع من اضافته إليه تعالى دفعا لايهام نسبة أصل الضلال إليه بل ذكر اولا من هداه ثم قابله بمن كان من حقه ان يضل وهو الذي اختار الضلالة على الهدى أي اختار ان لا يهتدى فلم يهده الله وحق له ذلك.
وتوضيحه ببيان آخر ان خلاصة الفرق بين الضلال الابتدائي ونسبته إلى العبد والضلال مجازاة ونسبته إليه تعالى ونسبة الهداية ابتداء ومجازاة إلى الله سبحانه هي ان الله اودع في الانسان امكان الرشد واستعداد الاهتداء فان جرى على سلامة الفطرة ولم يبطل الاستعداد باتباع الهوى والمعصية أو أصلحه بالندامة والتوبة بعد المعصية هداه الله وهذه هداية مجازاة من الله سبحانه بعد الهداية الأولى الفطرية.
وان اتبع هواه وعصى ربه بطل استعداده للاهتداء فلم يفض عليه الهدى وهو ضلاله بسوء اختياره فان لم يندم ولم يراجع أثبته الله على حاله وحقت عليه الضلالة وهو الضلال مجازاة.
وربما توهم متوهم ان الامكان والاستعداد لا يكون الا ذا طرفين فالذي يمكنه الهدى يمكنه الضلال والانسان لا يزال مترددا بين آثار وجودية وافعال مثبتة والجميع منه تعالى حتى الاستعداد والامكان الأول.
وهو من اوهن التوهم فان عد امكان الضلال وما يترتب عليه الضلال أمرا وجوديا وعطاء ربانيا يفسد معنى الضلال ويبطله فان الضلال انما هو ضلال لكونه عدم الهداية فلو عاد أمرا ثبوتيا لم يكن ضلالا بل صار الهدى والضلال كلاهما أمرين وجوديين وعطاءين إلهيين نظير ما يترتب على الجماد مثلا من الآثار الوجودية الخارجة عن الهدى والضلال.
وبعبارة أخرى الضلال انما يكون ضلالا إذا كان مقيسا إلى الهدى ومن الواجب حينئذ ان يكون عدم الهدى وإذا اخذ أمرا وجوديا لم يكن ضلالا فلم ينقسم الموضوع إلى مهتد وضال ولا حاله إلى هدى وضلال فلا مفر من اخذ الضلال أمرا عدميا ونسبة الضلال الأول إلى نفسه العبد فاحسن التأمل فيه فلا تزل قدم بعد ثبوتها.
وقوله فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ظاهر السياق
(٢٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 239 240 241 242 243 244 245 246 247 248 249 ... » »»
الفهرست