تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ٢٤٨
ما يجرى فيه من المرور على الصراط وتطاير الكتب ووزن الأعمال والسؤال والحساب وفصل القضاء ومن المعلوم وخاصة من سياق آيات القيامة ان المراد بالاختلاف ليس ما يوجد بينهم بحسب الخلقة بنحو ذكورة وأنوثة وطول وقصر وبياض وسواد بل ما يوجد في دين الحق من الاختلاف في اعتقاد أو عمل وقد بين الله ذلك لهم في هذه النشأة الدنيوية في كتبه المنزلة وبلسان أنبيائه بكل طريق ممكن كما يقول بعد عدة آيات: " وما أنزلنا عليك الكتاب الا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه " الآية: 64 من السورة.
ومن هنا يظهر للمتدبر ان البيان الذي يخبر تعالى عنه ويخصه بيوم القيامة نوع آخر من الظهور والوضوح غير ما يتمشى من الكتاب والنبوة في هذه الدنيا من البيان بالحكمة والموعظة والجدال بالتي هي أحسن وليس الا العيان الذي لا يتطرق إليه شك وارتياب ولا يهجس معه خطور نفساني بالخلاف كما يشير إليه قوله تعالى: " لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد " ق: 22 وقوله:
" يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون ان الله هو الحق المبين " النور: 25.
فيومئذ يشاهدون حقائق ما اختلفوا فيه من المعارف الدينية الحقة والأعمال الصالحة وما اخلدوا إليه من الباطل ويفصل بينهم بظهور الحق وانجلائه.
قوله تعالى: " انما قولنا لشئ إذا أردناه ان نقول له كن فيكون " هو نظير قوله في موضع آخر: " انما امره إذا أراد شيئا ان يقول له كن فيكون " يس: 82 ومنه يعلم أنه تعالى يسمى امره قولا كما يسمى امره وقوله من حيث قوته واحكامه وخروجه عن الابهام وكونه مرادا حكما وقضاء قال تعالى: " وما اغنى عنكم من الله من شئ ان الحكم إلا لله " يوسف: 67 وقال: " وقضينا إليه ذلك الامر إن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين " الحجر: 66 وقال: " وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون " البقرة: 117 وكما يسمى قوله الخاص كلمة قال تعالى: " ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين انهم لهم المنصورون " الصافات: 172 وقال: " ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون " آل عمران
(٢٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 243 244 245 246 247 248 249 250 251 252 253 ... » »»
الفهرست