تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ٢٤١
مدفوع بظاهر الكلام أو يقولوا لو شاء الله شيئا من أعمالنا لبطل وخرج عن كونه عملا لنا ونحن مستقلون به.
على أنه لو كان معنى قولهم لو شاء الله ما عبدنا هو انه لو شاء لصرفنا كان حقا فلم يكن معنى لقوله تعالى في آية الزخرف السابقة: " وقالوا لو شاء الرحمان ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم أن هم الا يخرصون " الزخرف: 20.
فالحق انهم أرادوا بقولهم لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شئ ان يستدلوا بعبادتهم لها على أن المشية الإلهية لم تتعلق بتركها من غير تعرض لتعلق المشية بفعل العبادة أو لكون المشية مستحيلة التعلق بعبادتهم إلا بالصرف.
قوله تعالى: " كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل الا البلاغ المبين " خطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بأمره ان يبلغ رسالته بلاغا مبينا ولا يعتنى بما لفقوه من الحجة فإنها داحضة والحجة تامة عليهم بالبلاغ وفيه إشارة إجمالية إلى دحض حجتهم.
فقوله كذلك فعل الذين من قبلهم أي على هذا الطريق الذي سلكه هؤلاء سلك الذين من قبلهم فعبدوا غير الله وحرموا ما لم يحرمه الله ثم إذا جاءتهم رسلهم ينهونهم عن ذلك قالوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شئ نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شئ فالجملة كقوله تعالى: " كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم " الأنفال: 52.
وقوله فهل على الرسل إلا البلاغ المبين أي بلغهم الرسالة بلاغا مبينا تتم به الحجة عليهم فإنما وظيفة الرسل البلاغ المبين وليس من وظيفتهم ان يلجؤا الناس إلى ما يدعونهم إليه وينهونهم عنه ولا أن يحملوا معهم إرادة الله الموجبة التي لا تتخلف عن المراد ولا امره الذي إذا أراد شيئا قال له كن فيكون حتى يحولوا بذلك الكفر إلى الايمان ويضطروا العاصي على الإطاعة.
فإنما الرسول بشر مثلهم والرسالة التي بعث بها انذار وتبشير وهى مجموعة قوانين اجتماعية أوحاها إليه الله فيها صلاح الناس في دنياهم وآخرتهم صورتها صورة الأوامر والنواهي المولوية وحقيقتها الانذار والتبشير قال تعالى: " قل لا أقول لكم عندي
(٢٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 236 237 238 239 240 241 242 243 244 245 246 ... » »»
الفهرست