هذا تقرير حجتهم على ما يعطيه السياق ومغزى مرادهم ان عبادتهم لغير الله وتحريمهم لما حرموه وبالجملة عامة أعمالهم لم تتعلق بها مشية من الله بنهي ولو تعلقت لم يعملوها ضرورة.
وليسوا يعنون بها إن مشية الله تعلقت بعبادتهم وتحريمهم فصارت ضرورية الوجود وهم ملجؤن في فعلها مجبرون في الاتيان بها فلا معنى لنهى الرسل عنها بعد الالجاء وذلك أن لو تفيد امتناع الجزاء لامتناع الشرط فيكون مفهوم الشرطية لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شئ انه لم يشأ ذلك فعبدنا غيره وان شئت قلت لكنا عبدنا غيره فانكشف انه لم يشأ ذلك واما مثل قولنا لكنه شاء أن نعبد غيره فعبدنا غيره أو قولنا لكنه شاء ان لا نوحده فعبدنا غيره فهو أجنبي عن مفهوم الشرطية ومنطوقها جميعا.
على أنهم لو عنوا ذلك وكان غرضهم رد النبوة باثبات الالجاء في أفعالهم بما أقاموه من الحجة كانوا بذلك معترفين على الضلال مسلمين له غير أنهم معتذرون عن اتباع الهدى الذي اتاهم به الرسل بالالجاء والاجبار وان الله شاء منهم ما هم عليه من الضلال والشقاء بعبادة غير الله وتحريم ما أحل الله وأجبرهم على ذلك فليسوا يقدرون على تركه ولا يستطيعون التخلف عنه.
لكنهم مدعون للاهتداء مصرون على هذه المزعمة مصرحون بها كما حكى الله سبحانه ذلك عنهم بعد ذكر عبادتهم للملائكة إذ قال وقالوا لو شاء الرحمان ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم أن هم الا يخرصون إلى أن قال: " بل قالوا انا وجدنا آباءنا على أمة وانا على آثارهم مهتدون " الزخرف: 22 وقد تكرر في كلامه حكاية تعليلهم عبادة الأصنام بأنها سنة قومية قدسها سلفهم قبل خلفهم فمن الواجب ان يقدسها ويجرى عليها خلفهم بعد سلفهم وأين هذا من الاعتراف بالضلال والشقاء؟
وكذا ليسوا يعنون بهذه الحجة إن أعمالهم مخلوقة لأنفسهم غير مرتبطة بالمشية الإلهية ولا انه خالقها إذ الأعمال والافعال على هذا التقدير بمعزل من أن تتعلق بها الإرادة الإلهية وانما يتسبب تعالى لعدم فعل من الافعال بايجاد المانع عنه فكان الأنسب حينئذ ان يقولوا لو شاء الله لصرفنا عن عبادة غيره وتحريم ما حرمناه وهو