تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ٢٣٧
الذين من قبلهم " الخ رجوع إلى حديث المستكبرين من المشركين وذكر بعض أحوالهم وأقوالهم وقياسهم ممن سبقهم من طغاة الأمم الماضين وما آل إليه أمرهم.
وقوله: " هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك " سياق الآية وخاصة ما في الآية التالية من حديث العذاب ظاهر في أنها مسوقة للتهديد فالمراد باتيان الملائكة نزولهم لعذاب الاستئصال وينطبق على مثل قوله: " ما ننزل الملائكة الا بالحق وما كانوا إذا منظرين " الحجر: 8 والمراد باتيان أمر الرب تعالى قيام الساعة وفصل القضاء والانتقام الإلهي منهم.
واما كون المراد باتيان الامر ما تقدم في أول السورة من قوله اتى أمر الله وقد قربنا هناك ان المراد به مجئ النصر وظهور الاسلام على الشرك فلا يلائم اللحن الشديد الذي في الآية تلك الملائمة وأيضا سيأتي في ذيل الآيات ذكر انكارهم للبعث واصرارهم على نفيه والرد عليهم وهو يؤيد كون المراد باتيان الامر قيام الساعة.
وقد أضاف الرب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أمر ربك ولم يقل أمر الله أو أمر ربهم ليدل به على أن فيه انتصارا له صلى الله عليه وآله وسلم وقضاء له عليهم.
وقوله كذلك فعل الذين من قبلهم تأكيد للتهديد وتأييد بالنظير أي فعل الذين من قبلهم مثل فعلهم من الجحود والاستهزاء مما فيه بحسب الطبع انتظار عذاب الله فأصابهم سيئات ما عملوا الخ.
وقوله وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون معترضة يبين بها ان الذي نزل بهم من العذاب لم يستوجبه الا الظلم غير أن هذا الظلم كان هو ظلمهم أنفسهم لا ظلما منه تعالى وتقدس ولم يعذبهم الله سبحانه عن ظلم وقع منهم مرة أو مرتين بل أمهلهم إذ ظلموا حتى استمروا في ظلمهم وأصروا عليه كما يدل عليه قوله كانوا أنفسهم يظلمون فعند ذلك انزل عليهم العذاب ففي قوله وما ظلمهم الله الخ اثبات الاستمرار على الظلم عليهم ونفى أصل الظلم عن الله سبحانه.
قوله تعالى فأصابهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤن حاق بهم أي حل بهم وقيل معناه نزل بهم وأصابهم والذي كانوا به يستهزؤن هو العذاب الذي كانت رسلهم ينذرونهم به ومعنى الآية ظاهر.
(٢٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 232 233 234 235 236 237 238 239 240 241 242 ... » »»
الفهرست