تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ١٦٦
ويبسط سلطته بالتزيين والاغواء عليهم جميعا فلا يخلص منهم الا القليل كأنه يشير إلى أنه سيستقل بما عزم عليه ويعلو بإرادته على الله سبحانه فيما أراد من خلقهم واستخلافهم واستعبادهم كما حكاه الله تعالى من قوله في موضع آخر من قوله: " ولا تجد أكثرهم شاكرين " الأعراف: 17.
فمعنى الآية ان ما ذكرت من انك ستغويهم أجمعين واستثنيت منهم من استثنيت وأظهرت نسبته إلى قوتك ومشيئتك زاعما فيه انك مستقل به أمر لا يملكه الا انا ولا يحكم فيه غيري ولا يصدر الا عن قضائه فان أغويت فبإذني أغويت وان منعت فبمشيئتي منعت فليس إليك من الامر شئ ولا من الملك الا ما ملكتك ولا من القدرة إلا ما أقدرتك والذي أقضيه لك من السلطان ان عبادي ليس لك عليهم سلطان الا من اتبعك الخ.
قوله تعالى: " إن عبادي ليس لك عليهم سلطان الا من اتبعك من الغاوين " هذا هو القضاء الذي أشار سبحانه إليه في الآية السابقة في أمر الاغواء وذكر انه له وحده ليس لغيره فيه صنع ولا نصيب.
ومحصله ان آدم وبنيه كلهم عباده لا كما قاله إبليس حيث قصر عباده على المخلصين منهم إذ قال إلا عبادك منهم المخلصين ولم يجعل سبحانه له عليهم أي على العباد سلطانا حتى يستقل بأمرهم فيغويهم وانما جعل له السلطان على طائفة منهم وهم الذين اتبعوه من الغاوين وولوه أمرهم والقوا إليه زمام تدبيرهم فهؤلاء هم الذين له عليهم سلطان.
فإذا أمعنت في الآية وجدتها ترد على إبليس قوله لأغوينهم أجمعين الا عبادك منهم المخلصين من ثلاث جهات أصلية إحداها انه حصر عباده في المخلصين منهم ونفى عنهم سلطان نفسه وعمم سلطانه على الباقين والله سبحانه عمم عباده على الجميع وقصر سلطان إبليس على طائفة منهم وهم الذين اتبعوه من الغاوين ونفى سلطانه على الباقين.
والثانية انه لعنه الله ادعى لنفسه الاستقلال في اغوائهم كما يظهر من قوله لأغوينهم في سياق المخاصمة والتقريع بالانتقام والله سبحانه يرد عليه بأنه منه مزعمة
(١٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 ... » »»
الفهرست